بورسعيد مدينتي الحبيبة، التي اتشرف بانتمائي لها، وبعيش أجمل أيام حياتي فيها، فحفرت في وجداني أسمى معاني حب الوطن، منذ الصغر. عاصرت فيها الهجوم الأول للعدوان الثلاثي، في عام 1956، بواسطة القوات البريطانية، والفرنسية، فخرج أهالي بورسعيد، حاملين أسلحتهم الخفيفة، التي وزعتها عليهم القوات المسلحة قبلها بأيام، للتصدي للدفعة الأولى من قوات المظلات البريطانية التي هبطت في مطار بورسعيد، ونجحوا، بالفعل، في القضاء على الفوج الأول.
ورغم مرارة الاحتلال، إلا أن المقاومة الشعبية، حولته لجحيم على المحتل، بعملياتها الفدائية، التي كان منها خطف الضابط الإنجليزي مور هاوس، ابن عم الملكة إليزابيث، وقتل ضابط المخابرات البريطاني جون وليامز، حتى خرج الإنجليز من بورسعيد يوم “عيد النصر”، في 23 ديسمبر ١٩٥٦، وأذكر جيداً خروجي وجميع أهالي بورسعيد، لاستقبال طلائع الجيش المصري، عند مدخل المدينة، وهو اليوم الذي قررت فيه أن أكون ضابطاً بالجيش المصري.
وعند هزيمة مصر في عام 1967، تحملت المدينة الباسلة ست سنوات قاسية، هُجر خلالهم أهاليها، تاركين منازلهم ومتاعهم، للعيش في عشش رأس البر، وفي مدارس بالزقازيق وطنطا وباقي مدن الدلتا، لتعيش كل عائلتين في فصل أحد المدارس، لا يفصل بينهما إلا ملاية سرير، ورغم ذلك لم يتذمر أي منهم، إيماناً منهم بالهدف الأسمى، حتى عادوا لبورسعيد بعد نصر أكتوبر 73. وحتى في أيام حكم جماعة الاخوان، وبعدما كشف الشعب مخططهم، حرص أبناء بورسعيد على إظهار رفضهم لحكم الجماعة، بطريقة سلمية، من خلال تنظيم دورات كرة قدم مسائية، متحديين مواعيد حظر التجوال.
وفي الأسبوع الماضي ضرب أهالي بورسعيد المثل والقدوة، في التصدي لجشع التجار، عندما ارتفعت أسعار السمك بطريقة جنونية، فقرر أهالي بورسعيد، العظماء، الامتناع عن شراء الأسماك لمدة أسبوع، موجهين ضربة شديدة للتجار، رغم كون السمك هو الوجبة الرئيسية لأسر بورسعيد، ويتناولها معظمهم لمدة خمسة أيام في الاسبوع. وتضامن معهم زوار اليوم الواحد للمدينة، الذين يحرصون على تناول وجبات الأسماك المميزة ببورسعيد، وحمل وجبة مماثلة لأحبائهم قبل العودة، لنرى أسواق السمك، في بورسعيد، خالية، تماماً، من الزبائن.
وبعد ثلاثة أيام انخفضت الأسعار، وصارت بورسعيد مضرب المثل، للمحافظات المحيطة بها، في قوة وعظمة أبناءها، القادر على التخلي عن أحد أهم احتياجاته، في مقابل تصحيح أوضاع خطأ، كتلك الناتجة عن جشع التجار، ليثبتوا أنهم شعب عظيم، يستحق الانتماء للمدينة الباسلة بورسعيد.