توب ستوري

معلومة تهمك .. مرور 200 عام على فك رموز اللغة المصرية القديمة

 

مائتا عام مرت على فك العالم الفرنسي شامبليون رموز اللغة المصرية القديمة حيث كانت مصنفة كلغة ميتة و بهذا الاكتشاف تم الكشف عن حضارة عمرها يزيد على ٧٠٠٠ عام كانت واضحة للعالم و خفية أيضاً لم يستطع فك طلاسمها سوى العالم الفرنسي شامبليون بمساعدة الكاهن القبطي يوحنا الشفتشي منذ ٢٠٠ عام ليفك تلك الطلاسم عن طريق حجر رشيد بالصدفة البحتة فاستطاع ترجمة اللغة المصرية القديمة ساعد ذلك على ظهور علم المصريات و على فك رموز لغات ميتة أخرى كالكتابة المسمارية و غيرها .. 

●● اكتشاف الحجر : 

بعد هزيمة الفرنسيين في موقعة أبو قير البحرية ١٧٩٩ م على يد البريطانيين ممن جاءوا لمحاربة الفرنسيين طمعاً في مصر قام الفرنسيون بتحصين قلعة قايتباي خشية دخول الأسطول الإنجليزي إلى فرع رشيد و كانت بحالة يُرثَى لها و شبه مدمرة فأعادوا بناءها و قاموا بتعديل عناصرها لتتناسب مع المعدات الحربية الحديثة الخاصة بهم وكان ذلك تحت إشراف الجنرال بيير فرانسوا كسافييه المهندس بالحملة و أثناء إعادة بناء القلعة تم العثور على حجر رشيد و ذلك حين الشروع في أعمال الحفر فوقعت عينا بيير على حجر من البازلت الأسود المدمج البالغ ارتفاعه حوالي متر و عرضه ٧٣ سم و سُمكه ٢٧ سم فنقله بيير إلى قائده الجنرال مينو فاحتفظ به الأخير بمنزله بالإسكندرية لمدة عامين و بوصول الخبر إلى القائد نابليون بونابرت أمر بتسليم الحجر إلى أعضاء المجمع العلمي المصري لدراسته و فك رموزه و لما استعصى عليهم ذلك أمر بنسخه و إرسال النسخ إلى علماء أوروبا..  

●● محاولات فك الرموز : 

لم يكن شامبليون هو الفريد في محاولة فك حجر رشيد لمعرفة الكتابة الهيروغليفية فقد سبقه عديد العلماء و اكتشفوا عديد الكلمات فمنذ أمر بونابرت باستنساخ الحجر و إرسال النسخ إلى علماء بجامعات و معاهد أوروبا ليعكف الكل و ويحاول دراسة اللغات النقوش لاكتشاف اللغة ومن ثم ترجمة النص المنقوش.. و رجح العلماء كتابة الحجر بلغتين و خط و هما اللغة المصرية القديمة أو الهيروغليفي حيث كانت اللغة الدينية المتداولة بالمعابد و الخط الديموطيقي حيث كانت الكتابة الشعبية في مصر القديمة أي المصرية العامية و اليونانية و هي لغة البطالمة و الملوك اليونان و اتضح صحة اقتراحهم فيما بعد ومنذ البدء اكتشف العالمان جان جوزيف مارسيل و و ريميه ريج أن الخط غير المعروف هو الخط الديموطيقي لكنهما لم يستطيعا قراءته و بدأ العلماء التركيز على ترجمة النص اليوناني فقام العالم الفرنسي دو تاي العامل بالمعهد القومي بباريس بترجمة النص الإغريقي إلى اللغة الفرنسية و أشار إلى أن الحجر عبارة عن شكر من كهنة مصر إلى الملك بطليموس الخامس و تبين وجود جملة أخيرة منقوشة على الحجر  ساعدت عديد من العلماء في معرفة الكتابات الهيروغليفية و الديموطيقية : هذا المرسوم سينقش على لوحات من الحجر الصلب بالكتابة المقدسة ” الهيروغليفية ” و الكتابة الشعبية ” الديموطيقية ” و بالحروف اليونانية و ستُعلق اللوحة في كل معابد مصر من معابد الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة جنباً إلى جنب صورة الملك الخالد “.

و في العام ١٨٠٢ م  بدأ المستشرق الفرنسي ” سلفستر دي ساسي ” و معه السويدي ” يوهان أكربلاد ” في التركيز على الخط الديموطيقي نظراً لأن الجزء الهيروغليفي كان شائهاً إلى حد كبير و بدأ العالمان البحث عن اسم بطليموس عن طريق فرز مجموعات الرموز الديموطيقية المتكررة الموجودة في ذات موضع الظهور المعروف لبطليموس في النقش اليوناني حيث لاحظا الأسماء الديموطيقية احتوت نفس عدد حروف مثيلاتها باليونانية و بهذا استطاعا استنتاج بعض الحروف الأبجدية الأولية للعلامات الديموطيقية كما استنتجا بعض الكلمات مثل ( مصر ، معبد ، يوناني ). 

و بدا لهما أن الكتابة الديموطيقية بأكملها ربما كانت كتابة أبجدية مثل النقش اليوناني،  كما استطاعا أن يستنتجا الأسماء التي بداخل الخراطيش هي أسماء الملوك ؛ لكنهما لم يستطيعا التقدم أبعد من ذلك لاعتقادهما النقش الديموطيقي كان مكتوباً بحروف أبجدية على النقيض من النقش الهيروغليفي الذي اعتبراه غير صوتي بالكامل و رموزه تعبر عن ا أفكار و ليس أصواتا و ليس لها أبجدية. 

وقد كانا في اعتقادهما هذا متَأَثرَين بكتابات ” حور أبوللو “الذي عاش في مصر العليا ( الصعيد ) في القرن الرابع الميلادي، و الذي كان قد أكد أن الكتابات الهيروغليفية عبارة عن كتابات طقسية و دينية و لا تعتبر لغة حياتية و ليس لها علاقة باللغة و ليس لها أبجدية كما تأثر بهذا الاعتقاد باقي العلماء ممن عكفوا على دراسة حجر رشيد و لذلك كان تركيزهم على الخط الديموطيقي دون نظيره الهيروغليفي. 

ثم جاء العالم الإنجليزي توماس يونج في ١٨١٤ م و بدأ العمل على حجر رشيد و ركز في البداية على الكتابة الديموطيقية الموجزة البسيطة بمثيلها بالهيروغليفي و استنتج أن الكتابة الديموطيقية مشتقة من الهيروغليفية و هي مزيج من العلامات التصويرية و الرموز الصوتية و لم تكن حروفاً أبجدية ثم انتبه إلى أهمية الكتابة الهيروغليفية و أنها الأصل و لها أبجديتها كما أن المقارنات التي قام بها يونج و غيره من الباحثين في الكتابات الثلاث عالحجر أوحت بأن اتجاه الكتابة المصرية تكتب من اليمين إلى اليسار و كان اكتشافاً كبيراً مكّن فيما بعد من معرفة اتجاه كيفية قراءة الجمل و الكتابات الهيروغليفية. 

●● شامبليون و فك اللغة الهيروغليفية : 

كل المحاولات سالفة الذكر كانت اجتهاداً كبيراً من العلماء و لكنها لم تكن كافية لفك و فهم و معرفة اللغة المصرية القديمة إلا أنها أعطت بعض المفاتيح ليتمكن بعد ذلك جان فرانسوا شامبليون بالكشف عن اللغة الهيروغليفية بشكل كامل ليستطيع بعد ذلك العالم بأكمله من قراءة اللغة و اكتشاف تاريخ حضارة مصرية فرعونية عريقة . كان شامبليون في سن مبكرة ملماً بعديد اللغات القديمة كاللاتينية و اليونانية و القبطية و العربية أيضاً و في المرحلة الثانوية كان على اتصال وثيق ب” فورييه” سكرتير البعثة العلمية التي كانت ترافق الحملة الفرنسية على مصر و هو ما دفعه إلى دراسة علم المصريات ما أطلعه على بعض المقتنيات الأثرية ما أشعل داخله الرغبة في قراءة اللغة الهيروغليفية. 

في عام ١٨١٤ م أرسل إلى الجمعية الملكية طالباً نسخة من حجر رشيد بما أن النسخة الفرنسية التي بحوزته تختلف عن تلك المحفوظة في الجمعية الملكية بإنجلترا و تم له ذلك كما كانت له محادثات و خطابات متبادلة و استنتاجات مع العالم توماس يونج و لكن سرعان ما اعتبرا العالمان منافسان لبعضهما. 

على أي حال بدأ شامبليون في البحث و دراسة الحجر و ركز بشكل أكبر على من سبقه من العلماء على النص الهيروغليفي و بدأ مقارنة الخراطيش وماتحمله من أسماء الملوك داخل الحجر مابين اليوناني و الهيروغليفي.. و لما توصل لمعرفة العديد من العلامات و بعض الكلمات بدأ بدراسة وبحث خراطيش أخرى حتى توصل إلى أسماء ملوك آخرين مثل برينكي ” كليوباترا ” و الإمبراطور الروماني أتوكراتور و الإسكندر و من خلال معرفته باللغة القبطية قام بترجمة النص اليوناني بالقبطي و بعدها بدأ يطابق القبطي بالهيروغليفي لمعرفة معنى و نطق كل كلمة. 

و بعد اكتشافه لكل هذا أحس بأنه جاهز أمام العالم لإعلان ماتم اكتشافه وذلك يوم ٢٧ / ٩ / ١٨٢٢ م أمام الأكاديمية الفرنسية للنقوش إذ أعلن عن تمكنه من فك رموز اللغة المصرية القديمة و أن بنية الكلمة في اللغة الهيروغليفية لا تعتمد على أبجدية فقط و إنما تعتمد على علامات تعطي القيمة لحرف الواحد و أخرى لاثنين و ثالثة لثلاثة و كتب بشكل مبدئي قائمة علامات هيروغليفية ديموطيفية كاملة مع مثيلاتها اليونانية مصحوبة بخرطوش باسمه مكتوب بالهيروغليفي توثيقاً على أنه مكتشف تلك الرموز و أكد استخدام المخصصات في نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة فمثلاً وجود الأوزة آخر الجملة تعني الابن و قد أدرك ذلك عندما جاء إلى مصر في زيارة بحثية حيث لاحظ أن الأوز دائماً يتقدم أبناءه فأحدث ذلك ثورة عارمة في علم اللغات الميتة و فتح آفاق التعرف على حضارة قدامى المصريين و فك ألغازها و ترجمة علومها و مع المزيد من الدراسات عن حجر رشيد أعلن شامبليون أبريل ١٨٢٣ م فهمه للمباديء الكلية للكتابة الهيروغليفية و في العام ١٨٢٤ م كتب تقريراً موجزاً لنظام الكتابة الهيروغليفية عند قدامى المصريين و في العام ١٨٢٨ م أرسل شامبليون ضمن بعثة دراسية إلى مصر كي يسجل النقوش المكتوبة على الآثار المصرية و هكذا باكتشاف شامبليون بدأ الغموض يتبدد عن الحضارة الفرعونية و بزغ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى. 

●● حجر رشيد : 

هو قطعة من حجر البازلت تنقصه أجزاء الركنين الأيمن و الأيسر من أعلاه و جزء أيمن من أسفله و قد تم البحث كثيراً عند اكتشاف الحجر عن هذه الأجزاء المفقودة لكن دون جدوى و يرجح أن هذه الأجزاء فقدت أثناء نقله من المكان الذي أقيم فيه إلى الجدار الذي وجد بين أحجاره و يقال أنه تم استخدام الحجر في بناء القلعة في عهد قايتباي و يرجع تاريخ الحجر إلى عصر البطالمة ١٩٦ ق.م. كتبه كهنة منف في عهد بطليموس الخامس احتفالاً بمرور عام على تتويج الأخير على عرش مصر. و ينص الحجر في بدايته على مدح الملك و يروي قصة محاصرة مدينة ليكوبوليس بالدلتا ثم يذكر الهبات و الأوقاف التي أنعم بها الملك على الكهنة و المعابد و منها التخفيف من الضرائب و غيرها و في الجزء الأخير ذكر تأسيس عبادة الملك بطليموس الخامس في المعابد و الاحتفال الخاص الذي سيقام للملك سنوياً و ينتهي النص بذكر وعد المصريين بأن يمجدوا الملك ثم الوعد بكتابة قرار الكهنة بثلاثة خطوط و ما تبقى من نص هذه الكتابات هو ١٤ سطراً من النص الهيروغليفي و ٣٢ سطراً من النص الديموطيقي و ٥٤ سطراً من النص اليوناني. 

●● رحلة الحجر و استقراره في بريطانيا : 

بعد اكتشاف حجر رشيد و إرسال نسخ منه إلى علماء أوروبا لبحثه و دراسته و فك رموزه بأمر من نابليون بونابرت ظل الحجر الأصلي بحوزة علماء الحملة الفرنسية حتى جاء موعد رحيلهم عن مصر و بموجب المادة ١٦ من معاهدة الاستسلام التي وقعها الفرنسيون مع إنجلترا للخروج من مصر فقد عين الجنرال “هاتشنسون” لمصادرة جميع القطع الأثرية التي جمعها الفرنسيون خلال إقامتهم و ذلك مقابل الإفراج عن الأسرى الفرنسيين و لكن القائد” مينوه” طلب الاحتفاظ بحجر رشيد كملكية شخصية له و كذلك رفض باقي العلماء تسليم أبحاثهم و أعمالهم العلمية و أصروا على أخذها معهم فوافق الجنرال الإنجليزي على طلب العلماء و لكنه أصر على أخذ حجر رشيد و أرسل “هاتشنسون” الكولونيل تيلر لأخذ الحجر من مخزن بالإسكندرية و كان المخزن يحتوي المقتنيات الشخصية للقائد الفرنسي مينوه و قد روى الرحالة الإنجليزي و تاجر الآثار إدوارد كلارك أنه أثناء الذهاب لاستلام الحجر و جدوه مغطى بسجادة مزدوجة و تم تسليم الحجر بواسطة موظف فرنسي و أحد أعضاء المعهد المصري و قد طالب الموظف بسرعة نقل الحجر قبل أن يدرك الجنود الفرنسيون ذلك حتى لا يمتعضوا و بالفعل أخذ الإنجليز حجر رشيد و وضعوه في المتحف البريطاني ١٨٠٢ م و مازال هناك حتى تاريخه.  

●● شامبليون :

اسمه بالكامل جان فرانسوا شامبليون ولد ٢٣ / ١٢ / ١٧٩٠ م  في قرية فيجاك بمقاطعة لوك الفرنسية و كان بشامبليون الصغير تعلم اللغات القبطية و اللاتينية و اليونانية بعمر ١٦ عاماً و غيرها من اللغات القديمة و استطاع عن طريقها فك رموز حجر رشيد. 

وكان في مقدمة من شغلوا منصب أمين المجموعة المصرية بمتحف اللوفر بباريس . حصل على درجة الأستاذية في علم المصريات بعد عودته من البعثة الدراسية إلى مصر و عين أستاذاً فل الكوليج دو فرانس و هي أعلى مؤسسة علمية لكنه لم يمارس سوى إلقاء بعض المحاضرات قبل أن تتدهور صحته التي تأثرت بمصاعب الرحلة إلى مصر مادفعه لاعتزال التدريس و رحل عن دنيانا في باريس ١٨٣٢ م عن عمر يناهز ٤١ عاماً و تم نشر كتابه حول القواعد النحوية للغة المصرية القديمة بعد رحيله . 

إعداد : اسحق يوسف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى