حصاد العدالة 2022| قضاة العام.. تاريخ التميز وتقدير من الدولة
لا ينضب تاريخ القضاء المصري من إضفاء صفحات يزينها أسماء قضاة أجلاء سطروا بعملهم في ساحة العدالة إنجازات مستحقة؛ ووجدوا في “الجمهورية الجديدة” التكريم اللائق بمكانتهم وقيمتهم، ليسجل عام 2022 أسماءهم مقرونًا بالتكريم والإجلال.
تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي، للقضاة وصون مكانتهم، والتعامل مع السلطة القضائية والحفاظ على استقلالها وأداء رسالتها السامية نحو تحقيق العدالة الناجزة، أصبح تقليدا يقابله رجال القضاء ببذل المزيد من الجهد لبناء الوطن والجمهورية الجديدة على أسس العدالة.
عبد المجيد محمود..اسم يخلد انتصار العدل على “الإرهاب”
جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، في شهر نوفمبر الماضي، بإطلاق اسم المستشار الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام الأسبق وأحد كبار شيوخ القضاء المصري، على أحد المحاور المرورية الرئيسية الجاري تنفيذها بالقاهرة، ليؤكد حرص القيادة السياسية على إظهار التقدير اللازم لرموز مصر في مختلف المجالات، وإيمانهم بدور القضاة الذين يؤدون رسالة سامية نحو تحقيق العدالة.
وبهذا التكريم ينضم المستشار عبد المجيد محمود، إلى شيوخ القضاة الذين أُطلقت أسماؤهم على ميادين وجسور رئيسية، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية السابق ورئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق المستشار عدلي منصور، وكذا وزير العدل الأسبق المستشار الراحل ممدوح مرعي والنائب العام الراحل المستشار هشام بركات، عرفانًا لعطائهم في خدمة العدالة والوطن.
واكتسب تكريم المستشار الدكتور عبد المجيد محمود، أهمية خاصة بوصفه النائب العام الأسبق وما حاق به من استهداف شرس من قبل جماعة الإخوان الإرهابية والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها، بُعيد أيام قليلة من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وتوالي محاولات التشويه ونسج الروايات الكاذبة والاغتيال المعنوي التي كانت تقودها الجماعة الإرهابية ضده – في ذلك الوقت – انتقامًا منه كونه كان المحقق الأكثر خبرة ودراية بقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة وتعقيداتها طيلة أكثر من 40 عامًا.
كما جاء استهداف جماعة الإخوان الإرهابية خلال عام 2012 لشخص المستشار عبد المجيد محمود ومن ثم عزله من منصبه بالمخالفة للدستور والقانون، ليتقاطع مع مخططهم للهيمنة على القضاء وتطويع القضاة خدمة لأغراض الجماعة، والعمل على وضع الأشخاص الموالين لهم في المواقع والمناصب القضائية المهمة، وهو المخطط الذي تصدى له المستشار عبد المجيد محمود بإصراره على المواجهة القانونية داخل المحاكم، إلى جانب الرفض العارم لقضاة مصر والانتفاضة الشرسة التي قادها نادي القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند في ذلك الوقت، دفاعًا عن استقلال القضاء ورفضًا لمحاولات التدخل في شئونه من قبل جماعة الإخوان الإرهابية والرئيس الأسبق محمد مرسي.
ويعد المستشار الدكتور عبد المجيد محمود أحد أبرز رجال القضاء ممن شغلوا منصب نائب عموم مصر، ومشهود له في الوسط القضائي بالكفاءة العالية وحُسن التصرف وإعلاء قيمة العدالة فوق كل اعتبار، خاصة خلال فترة عمله نائبًا عامًا اعتبارًا من عام 2006 وحتى نوفمبر 2012 .
وأصدر الرئيس الأسبق محمد مرسي في 22 نوفمبر 2012 قرارًا في صورة “إعلان دستوري” بعزل المستشار عبد المجيد محمود بشكل خاص بغية التخلص منه، وذلك بناء على تعليمات من قيادة جماعة الإخوان الإرهابية، بعد أن سبقتها بشهر واحد فقط محاولة فاشلة لإقصائه من المنصب عن طريق تعيينه سفيرا لمصر لدى الفاتيكان رغما عن إرادته.
وأمضى المستشار عبد المجيد محمود معظم تاريخه القضائي في العمل بالنيابة العامة وتدرج في مناصبها المختلفة، حيث عمل بكافة المواقع ذات الأهمية القصوى بالنيابة، كمحام عام في عدد من النيابات، وفي مقدمتها نيابة استئناف القاهرة ونيابة أمن الدولة العليا لفترة طويلة تولى خلالها التحقيق والمرافعة أمام المحاكم في العديد من القضايا الكبرى التي شهدتها مصر، وعلى رأسها قضايا الإرهاب والعنف التي شهدتها مصر خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ثم العمل بإدارة التفتيش القضائي بالنيابة العامة، ثم نائبا عاما مساعدا.
ومن أبرز القضايا التي تولى التحقيق والمرافعة فيها المستشار عبد المجيد محمود، قضية الجهاد الكبرى عام 1981 التي ضمت 302 متهم ممن شاركوا في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وما تلاها من تحقيقات وقضايا تتعلق بأحداث اقتحام مديريتي أمن أسيوط والمنيا بصعيد مصر، وقضية تنظيم ثورة مصر الذي كان يضطلع أعضاؤه باغتيال الإسرائيليين المتواجدين على أرض مصر، وتزعمه محمود نور الدين، وقضية تنظيم الناجون من النار التي شارك المتهمون فيها في محاولة اغتيال الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق ووزيري الداخلية السابقين النبوي إسماعيل وحسن أبو باشا، وقضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الأسبق، وكذلك العديد من قضايا التخابر التي كانت تستهدف الإضرار بالأمن القومي المصري، إلى جانب العديد من قضايا الإرهاب والعنف والتطرف، وقضايا الرشوة والإتجار بالآثار وغيرها.
ونال المستشار عبد المجيد محمود درجة الدكتوراه في موضوع (المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري) من كلية الحقوق بجامعة عين شمس بدرجة (جيد جدا مع مرتبة الشرف).
وحصل المستشار عبد المجيد محمود على حكم قضائي من دائرة طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة، أيدته لاحقا محكمة النقض بتاريخ 2 يوليو 2013 ليصبح باتا ونهائيا، بعودته إلى منصبه نائبا لعموم مصر وبطلان قرار محمد مرسي بعزله من منصبه، باعتبار أن القرار جاء مخالفا لأحكام الدستور والقانون الذي يمنع عزل النائب العام من منصبه، وأن هذا القرار بالعزل جاء ليمثل عدوانا على السلطة القضائية وتدخلا سافرا في شئون العدالة.
وفي موازاة المعركة القانونية التي خاضها المستشار عبد المجيد محمود دفاعا عن استقلال منصب النائب العام، انتفض قضاة مصر في جمعيات عمومية متتالية لرفض قرار عزله من منصبه، واحتشد قرابة 10 آلاف قاض وعضو نيابة عامة، في جمعية عمومية غير مسبوقة دعا إليها المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة في ذلك الوقت لإعلان رفضهم لقرار العزل الذي يخالف الدستور والقانون.
وآثر المستشار عبد المجيد محمود ترك منصبه كنائب عام والعودة إلى منصة القضاء في 9 يوليو 2013، وذلك بعد أيام قليلة من عودته إلى منصبه نفاذا للأحكام القضائية التي صدرت لصالحه ببطلان عزله، حتى لا يتذرع أحد من المتهمين في قضايا العنف والإرهاب المتعددة التي أعقبت ثورة 30 يونيو 2013 – وفي مقدمتهم قيادات جماعة الإخوان الإرهابية – بأن هناك سابقة خصومة بينهم وبين النائب العام تحول دون مباشرة تلك القضايا، حيث عمل مشرفا على المكتب الفني لمحكمة استئناف القاهرة.
وأُعير المستشار عبد المجيد محمود لاحقا، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، للعمل مستشارا بمحكمة النقض بإمارة أبو ظبي، والتي تعد أعلى مؤسسة قضائية بعاصمة البلاد.
محمد شيرين فهمي.. قاض لا ينقض له حكم:
استحق المستشار محمد شيرين فهمي، أن ينضم إلى قائمة العظام من قضاة مصر بما سجل من تاريخ حافل في العمل في منظومة العدالة، حتى اكتمال عطائه هذا العام، كأحد أبرز القضاة الذين دفعت بهم الأقدار نحو نظر قضايا الإرهاب، وعشرات من القضايا الأخرى محل اهتمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي، والتي نظرها على منصة القضاء أو كمحقق خلال عمله بالنيابة العامة.
وكانت الجلسة الأخيرة التي رأسها في آخر أيام عمله، برهانًا على العدالة الناجزة وحفظ حقوق المتهمين الكاملة في التقاضي وسعة الصدر في سماع طلبات الدفاع ومناقشة الشهود، وصولًا إلى الحكم القضائي العادل، ليشتهر في الأوساط القضائية والإعلامية بأنه “القاضي الذي لا ينقض له حكم أمام محكمة النقض”.
والمستشار محمد شيرين فهمي أول من أصدر حكمًا بمعاقبة المتهم في حال تجاوزه في حق المحكمة العلنية بالحبس، وذلك عندما قضى بحبس المدان حازم صلاح أبو اسماعيل سنة بموجب المادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية لإدانته بإهانته منصة القضاء، وانتهج القضاة بعد ذلك نهجه، وبدأ المستشار شيرين فهمي عمله في النيابة العامة ثم تدرج في مناصبها حتى عين رئيسا لنيابة التهرب الضريبي ثم رئيس نيابة الشئون المالية والتجارية، ثم رئيس نيابات مجمع محاكم مصر الجديدة وبعدها منصب رئيس نيابة الأموال العامة العليا، ثم المحامي العام بنيابات الإسماعيلية بشمال وشرق القاهرة، بالإضافة إلى تدرجه في العمل بمحاكم الجنايات منذ عام 1995 حتى ترأس محكمة جنايات القاهرة.
وحقق المستشار شيرين فهمي، في عدد من القضايا المهمة منذ أن كان ممثلاً للنيابة العامة من أهمها قضية “الرشوة الكبرى” 1986 التي كان متهمًا فيها 27 وكيلًا بوزارة الصناعة واتصفت هذه القضية بقضية “ضرب الفساد في مراكز القيادة”، وأيضًا التحقيق في أكبر قضية توظيف أموال في الثمانينيات وأوائل التسعينيات المتهم فيها “أحمد توفيق الريان”، وقضية “صفقة الذرة الصفراء” التي تم التحقيق فيها مع الريان وبنك التنمية والائتمان عام 86 وهي الصفقة التي أدت إلى وجود أزمة في المحصول الرئيسي للبلاد.
كما تولى المستشار شيرين فهمي التحقيق في عدد من القضايا المهمة من أهمها قضية “حركة قضاة من أجل مصر” التي تزعمها القاضي المفصول وليد شرابي، والذي قام فيها بإحالة 40 قاضيًا إلى مجلس التأديب والصلاحية.
كما كان قاضي التحقيق في واقعة “التنصت على مكتب النائب العام” المتهم فيها طلعت عبد الله النائب العام المعين من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، وهى التي تم فيها إحالة طلعت عبد الله إلى الصلاحية والخروج من القضاء.
ولدى المستشار محمد شيرين فهمي، سمات خاصة على منصة القضاء باتت نموذجًا لعشرات القضاة في مناقشة الشهود وضبط الجلسات والحزم لضمان تحقيق العدالة؛ بمعزل عما يثار من قبل الرأي العام في القضايا المنظورة، ومنها مناقشته للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في قضية اقتحام السجون والحدود الشرقية وهي الوقائع التي حدثت في غضون الأيام الأولى لأحداث 25 يناير 2011 .
ومن القضايا التي نظرها المستشار محمد شيرين فهمي – خلال مسيرته – قضية الداعية السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل الذي تقدم للترشيح لرئاسة الجمهورية وجرى استبعاده بعدما تبين ارتكابه جريمة التزوير في أوراق ومحررات رسمية تقر بعدم تجنّس أي من والدية بأي جنسية، والتي قُضي فيها بمعاقبته بالسجن 7 سنوات، وقضية تعذيب معاون مباحث أثناء اعتصام رابعة العدوية، والتي تم إصدار فيها أحكام بالسجن المشدد بحق عدد من قيادات وعناصر جماعة الإخوان الإرهابية وفي مقدمهم محمد البلتاجي وصفوت حجازي بالإضافة إلى آخرين، وقضية مذبحة رفح الثانية التي قتل فيها جنود الأمن المركزي غدرا، وتم إصدار فيها حكم بالإعدام شنقًا بحق الإرهابي عادل حبارة.
وسام الجمهورية من الطبقة الأولى يتوج مسيرة 4 رؤساء هيئات قضائية:
منح الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا العام وسام الجمهورية من الطبقة الأولى لرؤساء 4 من الجهات والهيئات القضائية تتويجًا لمسيرة عطائهم باكتمالها، وهم المستشار عبد الله عمر شوضه رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس محكمة النقض السابق، والمستشار محمد محمود حسام الدين رئيس مجلس الدولة السابق، والمستشار حسين مصطفى فتحي رئيس هيئة قضايا الدولة السابق، والمستشار عزت أبو زيد عبد الرحمن رئيس هيئة النيابة الإدارية السابق.
وسبق أن شهد عام 2022، توجيه الرئيس السيسي بمنح وسام لرؤساء وأعضاء الهيئات القضائية السابقين أو لأسم من توفي منهم تقديرًا لمسيرة عطائهم القضائية المتميزة تحت مسمى “وسام القضاء المصري”، وكذلك منح شهادات تقدير موقعة من رئيس الجمهورية لأعضاء الجهات والهيئات القضائية أصحاب الأعمال المتميزة خلال العام القضائي.