يهل علينا شهر أبريل، من كل عام، حاملاً، ضمن أيامه، ذكرى واحداً من أعظم أيام تاريخ مصر الحديث، يوم نجاحنا في استرداد آخر شبر من أرض مصرنا الغالية، اليوم الذي توج رحلة عسكرية، ودبلوماسية، طويلة، خاضتها مصر، دامت لما يقرب من 22 عاماً، منذ أن بدأت خطواتها الأولى بعد أيام معدودة من هزيمة يونيو 1967، وما تلا ذلك من احتلال كامل لتراب سيناء، حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة، خاصة خلال حرب الاستنزاف، لتؤكد القوات المسلحة المصرية للإسرائيليين، أن احتلال سيناء، والأرض المصرية، ثمنه غال جداً، لا يقدر عليه أحد.
وخلال سبع سنوات، نجحت مصر في إعادة تسليح قواتها المسلحة، وتنظيم صفوفها، وإخلاء مدن القناة، وإتمام بناء حائط الصواريخ، حتى كان يوم السادس من أكتوبر من عام ١٩٧٣، عندما اتخذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرار الحرب، باقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وتكوين خمس رؤوس كباري على الضفة الشرقية للقناة. ومع توقف القتال في 28 أكتوبر 73، بدأت المباحثات، التي لم تكن سهلة، حتى تم التوقيع على اتفاقي فض الاشتباك؛ الأول والثاني، وما أعقبهما من مفاوضات السلام ومعاهدة كامب ديفيد، حين استجابت مصر لنداء السلام، مبرهنة على قوتها السياسيو والدبلوماسية، التي قادها ببراعة الرئيس السادات.
وهكذا استعادت مصر، بدماء وجهد وعرق وفكر المخلصين من أبنائها، خلال الحرب والسلام والتفاوض، أرضها المحتلة، باستثناء طابا، إذ تلكأت إسرائيل، كعادتها، ولم تنسحب منها، مدعية أن تلك المساحة، 1020 متراً، لا تقع ضمن حدود الأراضي المصرية. ولأول يتم الإعلان عن مشكلة طابا، في مارس 1982، قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكري المصري، في اللجنة المصرية الإسرائيلية، أن هناك خلافاً جذرياً حول بعض النقاط الحدودية، خاصة العلامة 91.
وحرصاً من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي، اتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا، وحل النزاع طبقاً لقواعد القانون الدولي، وبنود اتفاقية السلام، وتحديداً المادة السابعة، التي تنص على حل الخلافات بشأن تطبيق، أو تفسير المعاهدة، عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم. ونص الاتفاق المؤقت، الذي وقعته مصر وإسرائيل، على عدم قيام إسرائيل ببناء أية منشآت في المنطقة، لحين الفصل في النزاع، إلا أن إسرائيل حاولت فرض الأمر الواقع، فأعلنت، في 15 نوفمبر 1982، عن افتتاح “فندق سونستا طابا”، وإنشاء قرية سياحية، كما ماطلت في اللجوء للتحكيم، مطالبة بالتوافق، وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية، وأجبرت إسرائيل على قبول التحكيم، في يناير عام 1986، بعد أربع سنوات من المماطلة.
دخل الجانبان في مفاوضات، لصياغة شروط التحكيم، انتهت في سبتمبر من نفس العام، وزعمت إسرائيل أن علامات الحدود أزيلت بفعل العوامل الطبيعية، بينما في الحقيقة أنها من أزالتها بنفسها، فقدمت مصر للمحكمة الكثير من الأدلة والمستندات، التي تؤكد أن هذه البقعة مصرية، وكانت، دائماً، تحت سيطرة وسيادة مصر، وكان من ضمن ما قدمته للمحكمة، صورة للجنود المصريين تحت شجرة الدوم، في هذه المنطقة، وكانت هذه الشجرة موجودة أثناء التحكيم، فكانت، ومازالت، شاهد إثبات على حق المصريين.
وبعد مباحثات ومناقشات وجلسات طويلة، أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها، في 27 سبتمبر 1988، بأحقية مصر في ممارسة السيادة على كامل ترابها، بعدما تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر، من مجموع 14 علامة، بأغلبية 4 أصوات، مقابل صوت واحد، وإثبات 4 علامات الأخرى، بإجماع الأصوات الخمسة. وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية، ومراوغات إسرائيل، وعُقدت جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم، وتسليم طابا، إلى مصر، حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة، بتسليم طابا في 15 مارس 1989، ورفع العلم المصري على أعلى نقطة في سيناء في 19 مارس،مسجلاً لحظة عظيمة، في تاريخ مصر الحديث.
ومن معركة استرداد طابا، نستلهم الدروس والعبر، وأهمها أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، يحسن الدفاع عنه، بالأسلوب الذي يفهمه الخصم، من خلال دراسة أساليبه في المناورة والمراوغة، ومسلحاً نفسه بالقوة الاقتصادية والقانونية والعسكرية، وبالاعتماد على أهل الخبرة والتخصص، وأخيراً، حسن إدارة الأزمات، والتجانس بين فريق العمل، من أجل الوصول إلى الهدف.
وبعد اكتمال عودة سيناء إلى حضن الوطن الأم، فإن تنميتها صارت الطريق الأمثل لتأمينها، كما أعلن الرئيس السيسي، في مختلف المناسبات، وبالفعل، بدأت خطة التنمية بربط سيناء بعموم مصر من خلال الأنفاق الجديدة، وزراعة نصف مليون فدان في شرق الإسماعيلية، وبناء ثلاث مدن وثلاث جامعات جديدة، فضلاً عما يشهده ميناء العريش من تطوير، وميناء شرق بورسعيد الذي احتل المركز العاشر عالمياً في تداول الحاويات، متقدماً على ميناء هونج كونج، بحسب تقرير البنك الدولي. ومن المقرر أن يبلغ تعداد السكان، في سيناء، نحو ستة ملايين مصري، بحلول عام 2030، بعد جعلها منطقة جاذبة للسكان، بتوفير فرص العمل المناسبة، في مختلف المشروعات التنموية التي تقام على أرضها، ومنها ثلاث مصانع للأسمنت، وآخر للرخام.
وهكذا صار تعمير سيناء أساس تأمينها، لكي لا تكون مرتعاً للإرهاب، أو مطمعاً لإسرائيل، وغيرها، لتهجير أهالي غزة إليها … لتبقى سيناء، كما هي تاريخياً، أرضاً مصرية، وسدها المنيع أمام أي خطر من الاتجاه الاستراتيجي الشمالي.