سفيان العلالي يكتب..شاعرية اللغة في محطات شاعرية للقاصة المبدعة الأستاذة خولة السعيدسفيان العلالي يكتب..شاعرية اللغة في محطات شاعرية للقاصة المبدعة الأستاذة خولة السعيد
بقلم الأستاذ: سفيان العلالي
عرفت القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا تطورا كبيرا ملحوظا في مجال الأدب، بحيث أضحت تكتب بطرق شتى، وبألوان وأشكال متعددة ومختلفة ومتباينة.
وفي هذا الصدد تطل علينا الكاتبة المبدعة الأستاذة خولة السعيد بمجموعة قصصية جديدة ممتعة تحتفي فيها بالهامشي الذي يقطن المدن ويجوب شوارعها وأزقتها، حيث ارتأت أن تجمع دخيرتها اللغوية أو بالأحرى بعضا من مخزونها اللغوي الإبداعي، في مجموعة قصصية اختارت لها عنوان “محطات شاعرية” لما للمحطات في حيواتنا اليومية من تأثير على السير العادي للعيش المطلوب، وهي عملها الإبداعي الأول، الصادر عن جامعة المبدعين المغاربة في طبعتها الأولى سنة 2023، حيث احتوت المجموعة ما يناهز سبعا وعشرين قصة مختلفة الحجم، بين القصيرة والقصيرة جدا، -وفي تصورنا- أن القصص الواردة بين دفتي المجموعة تعبر بشكل أو بآخر عن موضوعات متشابهة إن لم تكن متطابقة.
وسنطمح كما يعتزم السّاعون والطامحون إلى وضع بصمتهم وارتساماتهم حول ما نقرأه ونطالعه، بل حول ما يجذبنا ويستهوينا للنبش فيه والغوص في أعماق دلالاته.
نقف عند العنوان: إن المتبصّر في عنوان المجموعة كما أوردته القاصّة “محطات شاعرية” يجد نفسه محاطا بمجموعة من التكهّنات والاحتمالات، بل مجبرا على استكشاف ما يكتنفه من دلالات وإيحاءات وإيماءات، فلربما تبتغي المبدعة أن تعبر عن فترات من فترات الحياة التي يمكن لأي كان أن يعيشها، أو يمر بها، كما أن محطات تعني مواقف أي أماكن أو محلات كان المرور منها لزاما وبدا لا مفرّ من شرّه، بينما شاعرية تعني السمات التي تُوري قدرات الشيء على التعبير عن الأحاسيس وكشف المكنون.
وبالتالي فمحطات شاعرية تعبر عن نفسها بنفسها، بحيث ترنو إلى الإعراب عن الأحاسيس كلّ حسب ظروفه وأجوائه وبيئته الزمكانية.
سأسمح لنفسي أن أبدأ بعبارة راقتني كثيرا، جادت بها قريحة الأستاذة خولة السعيد تقول فيها: “كأن السفر هو سبيل الحب” ص33.
إن العبارة تفيض دلالات متعددة، بحيث عبرت عن الترحال الكبير لأبطال قصصها كلّ حسب شخصه وجنسه وعمره… فلابد للمسافر من محطة او محطات حتى يصل مبتغاه.
إن المطلع على قصص هذه المجموعة الجديرة بالقراءة والدرس، سيلقى نفسه أمام شاعرية اللغة واللغة الشاعرية، فإذا كانت الأولى تعني السمات التي تُوري قدرات اللغة على التعبير عن الأحاسيس وكشف المكنون.
الثانية هي وصف للغة بكونها شاعرية، أي أن هذه الصفةَ جليّةٌ فيها، ومتمكنةٌ منها أكثر من غيرها.
فالشاعرية قدرةٌ متوفرة في اللغة من حيث هي لغة، لكن لا تتسنى لكل واحد، ومن توفرت لديه هذه الصفة نقول إن لغته شاعرية فنكون إذ ذاك أمام “اللغة الشاعرية”
فلا أرى في ذلك مانعا يصدني أن أصف الأستاذة الفاضلة خولة السعيد “باللغوية الشاعرية” فبعدما قرأت النصوص كلها كان لزاما من رصد أوجه التأثير والتأثّر في المجموعة، فليس لنا سبيل سوى أن نقف وقفة إجلال واحترام إلى المبدعة التي طوّعت اللغة كيفما شاءت ومتى شاءت وإلى حيث شاءت وتشاء، فكانت اللغة حينها طائعة دون جحود كأنها روّدتها، قصد التعبير عما يعتمل داخلها ويخالج فؤادها عساها تظفر بسبيل إلى الهروب من أشواك الحياة. فقصة “أين أمي؟” محطة من المحطات التي لابد لكل من يعشق الحب والرحمة أن يقسط فيها مستريحا، ذاكرا أنعم الله في الأم بارّا لها ومطيعا لها ومحسنا إليها. لا بأس أن نستدل بعبارة جعلت من لغة القصة مؤثرا: * عادت لمكانها وكأنها تتغلّب على دموع لا تريد أن تسكبها على الأم..” ص7.
كما أنها بين الفينة والأخرى تمنح خولة السعيد قارئ قصصها قبلة عبر النسيم فداءً له على الوقوف المتكرر في محطات مجموعتها، ليستنشق عبير اللغة الشاعرية وشاعرية اللغة، وتشكره كما هو كامن في التقديم.
اختارت القاصة أن تكون لبصمتها في مجال القصّ والروي أن تمزج بين لغات ثلاث، العربية الفصحى وهي الطاغية في المجموعة، بحيث وظفتها بغية الوصول إلى أوصال قلوب القراء، ولغة دارجة عامية تحسبها تفي بالعرض أكثر من غيرها، كما هو ممثل له في قصتين مختلفتين حجما، قصة “المالكي المواطن المناضل” ص40. وقصة *مفاجآت راوية* حيث ذكرت نشيدا كان القلب يخفق حبّا به وقتئذ كانت تتساقط الأمطار وتتهاطل بغزارة، صص85.84. وكذلك بالصفحة 91 من القصة نفسها.
ووظفت أيضا اللغة الأجنية الأولى، وضمنتها في مجموعتها في قصة “أنا هكذا” صص75.74. حيث تردد شخصياتها أناشيد بلحن رتيب.
إن المجموعة القصصية *محطات شاعرية* لصاحبتها المغربية السعيد خولة من الإبداعات التي رقصت فيها اللغة على أنغام المحطات الشاعرية في نفوس البشر، كما تراقصت بين الأسطر والفقرات والصفحات … بفعل متحكم يمكن أن نصطلح عليه اسم “شاعريّ اللغة”.