لقد أحب الناس الفلك بالفطرة لأنهم يرون فيه عظمة الخالق .. فالسماوات تُحدث بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه .. ولكن يعتقد البعض أن الفلك علم مفتوح ليست له أصول وضوابط ، يستطيعوا أن يتكلمون عنه كما يريدون ويُفسرون فيه كما يشاؤون ، وهم يخلطون بينه وبين التنجيم أيضا .. أتعجب كثيرا عندما أجد أناس حتى يومنا هذا يعتقدون بأن الأرض مسطحة – ثابتة لا تدور ! وآخرون يجادلون في بديهيات علم الكون وكأنهم هم مكتشفوها ، وعند مناقشتهم تجد أن مفهومهم للكون لا يتعدى كوكب الأرض والمجموعة الشمسية !!
في الحقيقة مثل هؤلاء لم يدرسوا شيئا عن الفلك ، ولكنهم شغوفون به وحسب ، وهم لا يعلمون أن علم الفلك من العلوم السامية – القديمة جدا ، وهو من أقدم العلوم على الإطلاق بل هو أم العلوم .. لأنه منذ أن أوجد الله الإنسان على الأرض بدأ يترقب السماء نهارا ، والقمر والنجوم ليلا حيث كانت السماء هي مصدر الضوء الوحيد له على الأرض .. فبالترقب والرصد تعلم الإنسان كيف يبحث الأمور ويدرس الظواهر !
أن علم الفلك من العلوم الدقيقة جدا التي تعتمد كليا على الفيزياء والرياضيات .. وقد تطورت علوم الفلك تطورا كبيرا جدا فى القرن الأخير ، وقد بلغت حدا مكن الإنسان من الوصول إلى القمر وإرسال المجسات إلى الكواكب البعيدة .. ومع هذا التقدم الرهيب الذى أحرزه الإنسان من إطلاق الأقمار الصناعية والمحطات المدارية والتلسكوبات الفضائية تم الكشف عن الكثير والكثير من الحقائق المذهلة عن الأجرام السماوية والكون الذي نعيش فيه ، مما جعل من الثقافة الفلكية ضرورة هامة جدا فى المجتمع الحديث ..
وبغض النظر عن كل هذا ، فإن الإنسان يجد راحته دائما في النظر إلى السماء فهي موضعا للتأمل ومهربا له من هموم الأرض .. يتطلع إليها فيجدها تسبح بمجد الله فيستغرق فى معان كثيرة تحمل له الراحة وتنقل له الشعور بالرضى .. حين تنظر إلى نجوم السماء وهي تلمع في الظلام بسحرها العجيب وغموضها الرائع تستشعر عظمة القدير فتأخذك إلى آفاق بعيدة تبعث فيك روح الطمأنينة والشعور بالسلام .. لقد قال عالم الفلك جاليلو “إن عشقي للنجوم جعلني لا أخاف الظلام” !
خلاصة القول .. أن شغف الناس بالسماء وحب النجوم كان راسخا في وجدان البشر منذ البداية .. فالإنسان عندما تضيق به الأرض يجد نفسه ودون أن يشعر يخرج إلى النافذة رافعا عينيه إلى فوق ، إلى السماء ، من حيث يأتي عونه من عند الله …
ا.د/ أشرف تادرس
أستاذ الفيزياء الفلكية ورئيس قسم الفلك الأسبق بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية
