صلاح سلام

دكتور صلاح سلام يكتب....ومازال للقصة بقية(قصة)

(الحلقة الثانية)

نعم سألقي هاتفي في اقرب بالوعة وسوف اعيش من جديد…ولم تكن مسوغات التأشيرة لديه يوما مكتملة…واغلقت امامه كل الابواب فقال لي انه يفكر في حيلة جنونية… وماهي اذن؟ فرد قا ئلا ان اركب البحر في قوارب الهجرة!!!كيف هذا يارجل فالموت غرقا هو اكثر الاحتمالات..فرد قائلا اذا غرقت فالموت شهادة واذا نجوت فقد كتب الله لي عمر جديد واذا كان الانسان يندم في حياته على شئ فهو يندم مرتين الاولى على من لم يتزوجها…والثانية على من تزوجها..وانا ندمت المرتين الاولى لاني تزوجت من اعتقدت انها فرفوشة فكانت سيف مسلط..ثم الهادئة فكانت جحيم لايطاق وماهي الا ليلة وضحاها اختفى صاحبي ولم يجدوا له اثر…ابلغت “صفية” زوجته اخوتها بالامر لتكثيف البحث فالرجل لم يعد للمنزل منذ بومين وظنوا انه ربما يكون قد سافر الى قريتهم وهي بالقرب من بسيون ليتابع الارض التي ورثها عن ابيه والتي كانت تدر دخلا لابأس به..او ربما يكون قد ذهب ليريح اعصابه في شقة الاسكندرية والتي شهدت حبه او غلبه القديم فهي مازلت في حوزته بايجار قديم وعبثا سألوا الاصدقاء ولا احد لديه خبر والغريب انه لم يتقدم بأجازة لعمله وانصب الشك على ان صديقي “محمد شداد” قد اصابه مكروه ونقل الى احد المستشفيات واهتدت صفية واخوتها الى عمل محضر غياب مع محاولة البحث في المستشفيات مع اعلان على صفحات الفيس بوك والذي اصبح بعد ثورة يناير شائع الاستخدام بين العامة والخاصة وانه من العيب ان لايكون لك حساب على فيس بوك او تويتر والذي اصبح فيما بعد منصة  إكس والتليفون خارج الخدمة كول الوقت…ولاخبر يأتي لا من المستشفيات ولا من قسم البوليس وكل التعليقات على بوست  خرج ولم يعد تتراوح مابين الهزل والعطف والاستغراب وربما احيانا الأسى والمواساة…وظلت هكذا صفية واخوتها وولديها طارق الذي كان على اعتاب التخرج من كلية التجارة واخيه احمد الذي كان يخطو خطواته الاولى في كلية التربية طفقوا جميعا يبحثون في كل مكان …والغريب حقا ان صفية اصبحت ليل نهار تبكي غيابه وكأنها كانت فيضا من المشاعر ولكنها متناقضة…هل هي حقا لغياب محمد الزوج والسند الذي كان مسئول عن كل شئ من غذاء ودواء ومصروفات الاولاد وحسابات الاطباء واحتياجات المنزل الضرورية وغير الضرورية وفواتير الكهرباء والماء والصيانة  وتغيير انبوبة البوتجاز وووووو وصولا الى اوعى تتسى تاخد كيس الزبالة وانت نازل…ثم العودة اخر النهار باكياس الفاكهة او البطيخة والجورنال.. ام انها كانت تحبه بالفعل ولكن حب غبي لايعرف طريقه..اين محمد ؟  هنا كان يجلس على كرسيه الاسيوطي في ركن البلكونة البحرية اخر النهار يحتسي كوب الشاي المعتاد ويتصفح جريدته…وبين الفينة والفينة تذكره صفية بموعد الدكتور فلان وموعد الحقنة ومتنساش بكرة تجيب وانت جاي الدوا اللي كان ناقص ومش لاقينه وعيش من الفرن اللي جنب الشغل لانه بيستويه كويس مس سلق زي فرن حميدو…تتذكر صفية وتدخل في نوبة بكاء مستمر ولم يقطعها الا صوت ابنها طارق…ياماما ياماما…شوفي انا لقيت ايه في دولاب بابا…. ظرف بنكي كبير به توكيل عام لصفية بالتصرف في كل مايملك الارض والشقة التي يسكنها والتي تم سداد اقساطها منذ خمس سنوات تقريبا وشقة اسكندرية وكل حسابه في البنك ….وهنا انفجرت صفية في البكاء وايقنت انه ربما يكون قد انتحر ..وخاصة ان عمله ارسل انذارا بفصله وسارعوا اولاده بتقديم صورة من محضر الاختفاء الى عمله لاتباع الخطوات القانونية وخاصة انه لايمكن اعتباره متوفي الا اذا وجدوا جثته او غياب نهائي كمفقود لعدد من السنين يحددها القانون….ومن يرى صفية وحالها يكاد يجزم انها كانت بتموت “في دباديبه” وعذرا للعامية ولا اعرف ماهي العلاقة بين هذا اللفظ ودباديب المحبين التي يتهادون بها  في عيد الحب هذه الايام مع ان عبارة بموت في دباديبه قديمة جدا ربما قبل اختراع الدبدوب نفسه…. هكذا تكون صفية قد ايقنت ان محمد لن يعود فهو من المؤكد انه قد مات او سافر بلا وداع ولاشنطة ولانقود فكشف الحساب يشي بأنه لم يسحب منه اي اموال منذ فترة…والاهم هو ذاك التوكيل الذي يؤكد ان الاختفاء تم بمحض ارادته وانه لايريد ان يسبب لمن تركهم اي متاعب وان تسير حياتهم عادية وان كل ماسوف يخسروه هو مرتبه والذي قد يتحول بعد سنوات الى معاش ..وهو على يقين ان ريع الارض يكفي للصرف على عليهم حتى ينهي طارق دراسته واخيه ورصيده في البنك والارض اذا مافكروا في بيعها تكفي لتزوجهم ويفيض….وبدأت صفية تتحول الى سيدة من نوع اخر فهي الان المسئول الاول والاخير عن الاسرة ونسيت اوجاعها وشكواها فلمن تشكوا غير انها غير ذات مرة تجلس في وقت العصاري على كرسي محمد تشرب كوب الشاي ولاتستطيع ان تحبس دموعها ..وخاصة اذا ما اقترن الوقت بصوت اذاعة الاغاني وصوت ام كلثوم…صعبان علية جفاك بعد اللي شوفته في قربك…هكذا تضيع من بين ايدينا الاشياء الجميلة والتي لانشعر بقيمتها الا عندما تختفي او نفقدها…فيبدأ الحنين وتختلج الذكريات في صدر المحبين برنات الانين وسهد ووجد ليتهم كانوا في وقتهم لما كان الفراق ولما كان الهجر ولا دمعت القلوب قبل العيون فدمع القلوب نزيف لايشعر به الا الحالمين….اين انت الان بل اين انا….كل امواج الحزن لن تغسل صفحة شاطئ الحب المفقود..فقد فات الميعاد..بحق قد فات الميعاد…فلاتجد صفية تفسير للاختفاءولا الابناء يحتملون هذا الكابوس المزعج الذي حل فوق رؤوسهم ولايعرفون متى هذا الليل سوف ينجلي….ومازال للقصة بقية

لينك الحلقة الاولى

https://www.harmonytopeg.com/د-صلاح-سلام-يكتب-ومازال-للقصة-بقية-قصة/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى