كان لأحمد زملاء في المركز يقومون بتدريس المواد الاخرى والقاعات يتم شغلها بطريقة منظمة طوال اليوم بمقابل مادي مجزي بالاضافة الى مجموعاته اليومية وكان مصطفى مدرس الكيمياء اقربهم اليه ونشأت بينهم صداقة وطيدة فحاول ان يصطحبه يوما لحضور احد مجالس الذكر حيث تقام الحضرة يوم الخميس في احد القاعات التي تملكها احد الطرق الصوفية على مقربة من العارف بالله السيد احمد البدوي…ولم يمانع احمد في ذلك فهو شخصية ملتزمة ولكنه يميل الى المرح ….ولكنه يشعر بالمسئولية ولايستطيع ان يذهب للفسحة او النزهة او السفر لان وقته ضيق ويرى انه من الافضل ان يقضيه مع امه التي تشعر دائما بالوحدة…ولكن لامانع من التجربة وخاصة انه كان يسمع عن الطرق الصوفية كلام متضارب فمنهم من يرى انها تميل الى الزهد في الحياة وترك مغريات الدنيا والانقطاع الى العبادة ولكنها في النهاية وسيلة من وسائل التقرب الى الله وقد بدأت تظهر في القرن الثالث الهجري وسميت بهذا الاسم نسبة الى نوع اللبس من الصوف الذي كانوا يرتدونه وهذا ما كان عليه الحسن البصري وابو حامد الغزالي وعبد القادر الجيلاني والعز ابن عبد السلام ومحي الدين بن عربي وغيرهم كثير من نفس المدرسة وهناك مدرسة اخرى للتصوف تبتغي الزعامة وتكوين مجموعات تستخدمها للضغط الديني مثل الحبيب العجمي الفارسي…ولاشك ان المجموعة الاولى هي الاكثر ميلا لاهل السنة والجماعة ولهم طقوسهم الخاصة بالتبارك بالاولياء وال البيت ولأن الشعب المصري الذي تأثر بحكم الفاطميين فهو سني المذهب وشيعي الهوى او ذو عقل سني وقلب شيعي وتاريخ ممزوج بين الفرعوني والقبطي والاسلامي كما اورد الدكتور ميلاد حنا في كتابه الاعمدة السبعة للشخصية المصرية… وكل طريقة لها ولي ويرون انه الامام ويأخذ منهم العهد ويكون لكل منهم ورده الخاص…وشيوخ الطرق الصوفية والتابعين يؤمنون بأن لبعض اوليائهم ملكة الفراسة واخرين لديهم حاسة الالهام وانه على اتصال بالارواح الصالحة ومنهم اهل الكشف اي ان الله يطلعهم على بعض اسراره مؤمنين بقوله تعالى”ولايحيطون بشئ من علمه الا بما شاء” صدق الله العظيم ويتمتعون بالعلم اللادني ومنهم من يعتقد بالمعاريج اي ان روحه تسبح في الفضاء فتلتقي الصالحين كسيدنا الخضر او يرى الانبياء وقد يسرون له بشئ ويتبين صحته…وبرغم تعدد الطرق وتعدد الشيوخ الا ان الطقوس تكاد تتشابه فمعظمهم ليس لديه غضاضة في الاندماج في حلقات الزكر والتمايل ودق الطبول والتواشيح والموسيقى وحتى وان اختلفت الوان راياتهم فكل طريقة تتخذ لونا من البيارق…وحضر احمد الجلسة واعجبته الحلقة والحديث وبدأ يتردد كل خميس مع مصطفى الى مجلس الزكر ويتعرف على اعضائها والمريدين والاقطاب والدرجات واصبح حضور جلسة الخميس هي الجلسة الاهم في حياته واصبح له ورده اليومي الذي يتلوه كل مساء قبل ان يخلد الى نومه واخر يتلوه دبر كل صلاة وتوطدت علاقته بمصطفى الذي كان وثيق الصلة بشيخ الطريقة…حيث التقاه ذات مساء بعيدا عن جلسة الخميس ومعه احمد ذلك الرجل ذو البشرة السمراء الداكنة والعمامة الخضراء والجلباب الابيض باسم الثغر جميل المحيا يفوح منه عطر كرائحة البخور ويحمل مسبحة طويلة ويتمتم طول الوقت… ودار رحى الحديث بينهم بعد ان عرفه على احمد والذي نظر اليه نظرة فاحصة ثم باغته بسؤال كيف الست الوالدة يابني فرد احمد انها بخير يامولانا…وظل ينظر الى وجه احمد بتفحص شديد وكأنه يقرأ شيئا على جبينه وقال له عش حياتك ياولدي وكمل نصف دينك واعلم ان كل ات قريب ولاتجزع فالقدر يخبئ لك خيرا كثيرا واطمئن فالغائب حجته معاه ولكن لن تراه….هكذا بدون ان يسأله او يعرف عنه شئ او ربما يعرف … ولكنه لايقرأ فنجان فهم لايؤمنون بالسحر والفنجان ولابقراءة الطالع ولا اي من هذا سواء في معرفة الماضي او قراءة المستقبل…ولكن كما ذكرت ربما يكون الهام او فراسة او كشف وتسميات اخرى يعرفونها…وفي نهاية اللقاء قال لمصطفى اوصيك بصاحبك خيرا فهو قوي امين…..وانتهى اللقاء ودارت الدنيا بأحمد الذي جلس بقية ليلته مع مصطفى يتجاذبون الحديث عما دار في هذا اللقاء وخاصة عن الغائب ولم يكن مصطفى يعرف ان والد احمد غاب واختفى في ظروف غامضة وكان يظن انه قد لاقى ربه…وبعد ان طالت ليلتهم وهم كل منهم ان ينصرف الى داره شدد مصطفى على صديقه احمد ان يجعل ما سمعه اليوم سرا حتى لا تقلب المواجع على امل ان يلتقيا في اليوم التالي في منزل مصطفى على مائدة غداء محبة وكرامة….وبالفعل عاد احمد للمنزل ووجد صفية في انتظاره رغم تأخر الوقت..وتذكر كلمات الشيخ فسلم عليها وقبل يدها ورأسها وجلس معها قليلا ولكن لم ينطق ببنت شفة عما سمعه.. فقط اخبرها انه كان مع صديقه مصطفى الذي أصر على ان يكون ضيفه غدا على الغداء بعد انتهاء دروسهما في المركز”السنتر” كما عربوه رواده بل جمعوه جمع مذكر سالم فاصبحت المراكز “سناتر” ما اجمل لغتنا العربية..فهي كما قال الاديب الاريب العميد طه حسين”يسر لا عسر ونحن نستخدما كما كان القدماؤ يستخدمونها وقد نضيف عليها ما نراه صالحا لعصرنا” او مامعناه…فقالت صفية توكل على الله دة باين عليه جدع ابن حلال وكل سكته خير وتقوى ..ربنا يحبب فيك خلقه ويستر طريقك ويجعلك في كل خطوة سلامة ويرزقك ببنت الحلال اللي تهدي سرك وتكون سترك وغطاك يا احمد يابن بطني…فيتلقى احمد الدعاء ضاحكا…تصبحي على خير يامة..وانت من اهله ياحبيبي…وقرأ احمد ورده وحاول ان ينام ولكن وجه الرجل مازال ماثلا امامه واخذ يراجع كلماته عن اباه الغائب الذي لن يلقاه ووصيته له بأمه وحديثه لمصطفى الى ان جاء سلطان النوم فاستسلم….ليبكر بخطواته ليوم جديد يبدا ببركة الشاي بلبن من الست صفية والدعاء ثم الانطلاق الى رحلة الكفاح….وقبيل المساء يمر عليه مصطفى ليصطحبه الى منزله لتناول طعام الغداء حسب الاتفاق ولكن لم يكن كذلك فقط بل كانت هناك مفاجأة…. ومازال للقصة بقية