كارثة بيع الأسمدة في السوق السوداء تضرب الزراعة والمستهلكين لمصلحة المحتكرين …
فشل رقابي تام .. وشبكة القوانين الرديئة عاجزة أمام المافيا ...
مصر القاهرة – القلم الاقتصادي
كشف تقرير إعلامي موثق بالمصادر، عن كارثة تضرب الزراعة وتمثل إحدي أسباب الارتفاع الفلكي في أسعار المحاصيل في الأسواق لدرجة أصابت المستهلكين بالجنون، فهم وحدهم يدفعون الثمن غاليا من استقرار حياتهم ، بينما أصحاب الاراضي والمسئولين والمحتكرين والتجار وحدهم المتربحون، بينما الأجهزة الرقابية وأولها البرلمان في غيبوبة وفشل تام في التعامل معها.
التفاصيل تقول أن الفلاحين يبيعون الأسمدة المدعمة التي تقدمها لهم الحكومة عبر الجمعيات الزراعية، بأسعار خرافية في السوق السوداء.. وكبار تجارها معروفين بالإسم لكن أحدا لا يجرؤ علي التصدي لهم.
ملخص
يقول أشرف شحتة مزارع مصري يمارس الفلاحة منذ أكثر من 25 عاماً، إنه يلجأ إلى السوق السوداء لـ”بيع جزء من حصته من الأسمدة المدعومة”، المخصصة لأرضه الزراعية. مبرراً ذلك بأن معظم المزارعين “يتبعون الطريقة نفسها”
من دون تردد، يقول أشرف شحتة مزارع مصري يمارس الفلاحة منذ أكثر من 25 عاماً، إنه يلجأ إلى السوق السوداء لـ”بيع جزء من حصته من الأسمدة المدعومة”، المخصصة لأرضه الزراعية. ما يسرده شحتة مخالف للقوانين المنظمة لتداول الأسمدة في مصر، لكنه برر بالقول إن معظم المزارعين “يتبعون الطريقة نفسها”، لفارق السعر الكبير بين الشيكارة المدعمة التي توفرها الجمعية للفلاحين مقابل 250 جنيهاً (6 دولارات أميركية)، وقيمتها في السوق السوداء التي تصل إلى 1200 جنيه (25 دولاراً أميركياً).
وبينما يرى شحتة أن من حقه التصرف فيما يحصل عليه من الجمعية وفقاً لبطاقة الحيازة الزراعية الخاصة به فإن نقيب الفلاحين حسين أبوصدام يوضح أن بعض المزارعين “يعتقدون خطأً أن الدعم الحكومي موجه إليهم، بينما الهدف الحقيقي من الدعم هو تشجيع الزراعة”. ويضيف أبوصدام، أن الفلاحين الذين يتوجهون إلى السوق السوداء “يحققون أرباحاً هائلة” من بيع الأسمدة المدعومة، وأيضاً من تأجير أراضيهم من دون الحاجة إلى بذل أي جهد في زراعتها.
حيازات وهمية
يشرح شحتة لـ”اندبندنت عربية” أنه يحصل على ثماني شكائر مدعمة لكل فدان. متطرقاً إلى حيل يستخدمها بعض المزارعين، مثل “الحصول على أسمدة لحيازات وهمية أو التلاعب بنوعية المحاصيل على الورق للحصول على كميات أكبر وبيع الفائض في السوق السوداء”. ويعزو الفلاح المصري ارتفاع أسعار السماد في السوق السوداء إلى نقص المعروض. مشبهاً الوضع بأزمة الدولار في مصر.
وأوضح نقيب الفلاحين حسين أبوصدام أن بعض المزارعين يلجأون إلى طرق غير مشروعة منها “الحيازات الوهمية للحصول على أسمدة مدعمة، وأحياناً يحتفظون بأوراق لأراض باعوها بالفعل، لكنهم يستمرون في صرف الأسمدة بناءً على تلك الحيازات”.
ما يقوله شحتة وأبوصدام يؤكده أيضاً مصدر من وزارة التموين، مشيراً إلى أن عمليات تهريب الأسمدة “تتزايد بسبب فارق السعر بالسوق السوداء، ونضبط عديداً من الوقائع، وهي مثبتة بمحاضر بمراكز الشرطة، وتعرض على النيابة التي تأمر بتسليم الحرز إلى الجمعية الزراعية، ومن ثم يعاد تسليمه للمزارعين على بطاقات الحيازة.”
وفي أكثر من مناسبة نوقشت أزمة الأسمدة داخل أروقة البرلمان المصري، منها في مايو الماضي، بتقديم عضو مجلس النواب مجدي ملك طلب إحاطة يشير إلى امتلاكه مستندات تتعلق بوجود فساد وتلاعب في إدخال البيانات الخاصة بالمنظومة الزراعية، ما يستوجب المساءلة.
ووفقاً لطلبة أدخل بعض رؤساء الجمعيات الزراعية بمحافظة المنيا (جنوب مصر) بيانات مزورة لتسجيل حيازات زراعية وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، بأسماء لا تمتلك أي مساحات من الأراضي. وسحبوا خلال خمسة مواسم (مدة بداية منظومة كارت الفلاح) مخصصات الأسمدة المدعمة وبيعها بالسوق السوداء بغرض التربح بفارق السعر.
وفي يناير الماضي، طالب عضو مجلس النواب المصري محمود قاسم بمواجهة أزمة الأسمدة لارتفاع أسعارها بالسوق السوداء. مشدداً على ضرورة غلق الأبواب أمام من يتاجر بصورة غير قانونية بالأسمدة، وبيعها بأسعار فائقة غير مبررة، والتوسع في إنشاء شركات أسمدة جديدة لتلبية حاجات المزارعين من السماد.
التموين: للتهريب حيل متعددة
وفقاً لمسؤول التموين من المفترض أن تسلم الجمعية الزراعية الأسمدة للمزارعين مباشرة، لكننا “نكتشف وجود حلقة تجارة غير مشروعة تستهدف تحقيق مكاسب”، وعندما نضبط الكميات المعدة للتهريب إلى السوق السوداء، تسلم إلى أقرب مركز شرطة أو في مخازن الأحراز المخصصة بالتموين، وبمجرد صدور قرار النيابة، تعاد الأسمدة إلى الجمعية الزراعية، وتعود سلسلة المخالفات للدوران في نفس الدائرة.
من ضمن أكثر الحيل أن الحيازة “تكون موثقة على الورق فقط، بينما في الواقع تزرع محاصيل أخرى”، وفقاً لمصدر التموين الذي رجح أن عملية التلاعب تبدأ من الموظفين بالجمعية، إذ لا يجري الحصر بدقة، ويعطى السماد لأصحاب الأراضي بشكل مخالف للواقع، لصرف عدد شكائر أكبر، وأحياناً نكتشف تجميع الأسمدة في أماكن بعيدة من التكدس، ونقلها إلى مخازن.
وروى مصدر يعمل مفتش تموين، أن آخر عملية ضبط شارك فيها جرت قبل أيام، “اكتشفنا سيارة تحمل سبعة أطنان من الأسمدة، كانت تسير في ساعة متأخرة، والشكائر المهربة مغطاة، وعند تفتيشها، عثرنا على أسمدة كانت في طريقها للتداول بالسوق السوداء”.
وقال مفتش التموين، “عدد من المزارعين يبيعون الفائض من الأسمدة التي يصرفونها بالسوق السوداء، إذ يحصلون على أكثر من الكمية المستخدمة للأراض التي يمتلكونها”، مؤكداً أنه “في وقت الأزمات، تزداد عملية تهريب الأسمدة على الحد.”
وحتي اللحظة يستمر تهريب الأسمدة المدعومة إلى السوق السوداء، منها ما أعلنه وكيل وزارة التموين بالمنيا، عبدالباسط عبدالنعيم، عن مصادرة 180 شيكارة سماد مدعم بوزن تسعة أطنان كانت معدة للتهريب. كما ضبطت حملة في أبوكبير بالشرقية سيارة محملة بـ157 شيكارة، وبلغت حصيلة حملة في البحيرة 330 شيكارة يوريا ونترات مدعمة بوزن 16.5 طن قبل بيعها بالسوق السوداء، وتكررت عمليات تهريب مماثلة في عدة محافظات خلال الشهر الجاري.
البحث عن حلول
وفي إطار البحث عن حلول لأزمة الأسمدة وجه وزير الزراعة واستصلاح الأراضي علاء فاروق، يوليو (تموز) الماضي، بضرورة وصول الدعم لمستحقيه من المزارعين، وإتمام عمليات الحصر بكل دقة، وتحديث قواعد البيانات، وصرف الأسمدة وفقاً لمقررات كل محصول.
وحول أساليب الرقابة المتاحة شدد على أن لجاناً ستعقد بصورة مستمرة لمتابعة أعمال الحصر والصرف. وقبل أيام أصدر الوزير تكليفات منها أن يكون مديرو المديريات مسؤولين عن توزيع الأسمدة “بصورة عادلة” على الجمعيات الزراعية، ومعالجة القصور والعجز في إمداد بعض المحافظات، وتفعيل الرقابة على الأسواق، وبخاصة الأسمدة حتى تصل إلى مستحقيها.
وعلى رغم التوجيهات الحكومية، يقول المزارع إبراهيم عبدالستار، إنه يضطر إلى شراء الأسمدة من السوق السوداء بسبب “نقصها في الجمعيات الزراعية”، ويصل سعرها في السوق السوداء إلى أربعة أضعاف كلفتها الرسمية في الجمعيات.
وطالب عبدالستار بضرورة توفير الكميات المطلوبة من الأسمدة للمستحقين، وتشديد الرقابة على السوق السوداء، ومراجعة الحيازات الزراعية لمنع عمليات التلاعب التي يستفيد منها غير المستحقين للدعم، مؤكداً أنه يتسلم الأسمدة المدعمة من الجمعيات متأخراً.
وفقاً لنقيب الفلاحين فإن الحل الأمثل “يكمن في تحرير سعر الأسمدة وتقديم دعم نقدي مباشر للفلاحين بدلاً من توزيع الأسمدة المدعومة”، معتبراً أن القضاء على السوق السوداء للسماد “سيكون صعباً طالما هناك فارق كبير بين سعر السماد المدعوم وسعره في السوق السوداء”.
موضحاً “طالما وجد سعران للسماد، ستظل السوق السوداء موجودة. الطن المدعم بـ4800 جنيه، ويباع بـ21000 جنيه بالسوق السوداء”، منهياً حديثه بأن “الدعم خلق مافيا للتجارة في الأسمدة”.
.
المصدر:”اندبندنت عربية”