بلد غنى وجيش قوى
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام
يثور جدل كبير خاصة بعد الأزمات العالمية المتتالية حول طبيعة دور الدولة الإقتصادي في المرحلة المقبلة، وإن كان يحكم آفاق هذا الجدل تصورات قصيرة الأجل حول التعافي الاقتصادي،بينما يغيب تناول كلي ومعمق حول إعادة تعريف وتحديد دور الدولة الاقتصادي كجزء لا يتجزأ من عملية إعادة تصميم نموذج التنمية ككل، وهو الدور الذى لعبته مصر بكفاءة عالية خلال الفترة الماضية ،تحديدا بعد عام 2016 عبر إطلاق مفهوم الدولة التنموية ،الذي كان بمثابة حائط الصد أمام الأزمات العالمية، وتقليل تداعياتها إلى أدنى حالة، وقد عكفت مصر خلال الفترة الماضية على طرح نموذج للإصلاح الإقتصادي يقوم على التمكين التكنولوجي والصناعي ،عبر ارتباط النموذج المصري بنموذج عالمي، وقد كان هذا النموذج هو النموذج الياباني،حيث شهدت اليابان،المعروفة بإسم المعجزة الإقتصادية اليابانية،نمواً إقتصاديا سريعاً ومستداما من عام 1945 إلى عام 1991، وهي الفترة ما بين ما بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة.وقد سلكت اليابان طريق التنمية الإقتصادية مستفيدة من التكنولوجيا المستوردة من الغرب، ومعتمدة على مواردها، وقدرة الشعب الياباني على الإستجابة للمؤثرات الخارجية في مجال الصناعة والتكنولوجيا بطريقة ديناميكية لم تلغِ ثقافته وأصوله.وكان الحافز للنهوض باليابان هو الشعور القومي لدى اليابانيين ورفعهم لشعار(بلد غني وجيش قوي)،وقد لوحظ أن هناك أربعة عوامل رئيسية سمحت بهذا النمو الفائق السرعة وهي التغيير التكنولوجي، وتراكم رأس المال، وزيادة كمية ونوعية العمالة، وزيادة التجارة الدولية،فالبنسبة للتغيير التكنولوجى إستخدمت الحكومة اليابانية السياسة النقدية التوسعية لخلق أموال رخيصة،بحيث أصبح لدى الصناعات المتنامية إمكانية الوصول إلى الأموال منخفضة التكلفة. ثم أخذ اليابانيون التقنيات الجديدة التي استوردوها وقاموا بتحسينها بأنفسهم، ما جعل التكنولوجيا أكثر كفاءة بنسبة 20%.من خلال التخطيط الإستراتيجي،وسخر اليابانيون رؤوس أموالهم للإستثمار في الصناعات التحويلية سريعة النمو. وهو ما تفعله مصر حالياً بالإرتكاز على الصناعات التحويلية كأول ضلع من أضلاع مثلث الإصلاح الإقتصادي الثاني.وبالنسبة لتراكم رأس المال من أجل تحقيق التوازن بين هذه الإستثمارات الكبيرة وتجنب التضخم المرتفع للغاية،كان هناك أيضاً معدل مرتفع للادخار الشخصي.ومع ذلك كانت التجارة الدولية من العوامل التي سمحت لليابان بالبقاء في صدارة منافسيها عبر قدرة الشركات على مواكبة التغيرات، وزيادة الصادرات وبالتالي تحقيق نمو اقتصادي حقيقي. وعلى الرغم من مرور 78 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، تظل العديد من عناصر الإنتعاش الإقتصادي لليابان ذات صلة بمجتمعنا ويمكن تطبيقها حالياً على النموذج المصري.ويتزامن هذا الطرح مع مرور 70 عاماً على الشراكة بين مصر واليابان، لذا سلطت الجايكا (منظمة حكومية مستقلة تقوم بتنسيق المساعدة الرسمية للتطوير لحكومة اليابان. وتختص بمساعدة النمو الاقتصادي والاجتماعي في الدول النامية، وتعزيز التعاون الدولي).الضوء على محاور الشراكة مع مصر في مجال التأمين الصحي الشامل وتنفيذ مشروعات برنامج نوفى،وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين مصر واليابان،والتي تؤكد على رؤية مشتركة تتماشى مع رؤية مصر لتحقيق التنمية المستدامة،لذا نأمل أن تكون الذكرى الـ70 للعلاقات بين البلدين، فرصة لتعزيز الشراكة المستقبلية والإنتقال بالعلاقات المشتركة إلى آفاق أرحب، والتركيز على مجالات ذات أولوية تشمل الإستثمار في الإنسان، من خلال قطاعات التعليم والصحة، ومشروعات التحول الأخضر وتطوير البنية التحتية،والنمو النوعي والشامل، بالإضافة إلى الشراكة مع القطاع الخاص، ومشروعات التعاون الفني لبناء القدرات في مختلف المجالات، وتعزيز التعليم الفني وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة.ولكن ما نراه مطلوباً فى هذه الفترة، يأتى في إطار توجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بضرورة تسهيل وتحسين الإجراءات الخاصة بالمستثمر الصناعي، وحل مشاكل المصانع المتعثرة لجعل بيئة القطاع الصناعي أكثر جذباً للإستثمار ، وهذا يتطلب زيادة مجالات التعاون بين مصر واليابان فيما يتعلق بتوطين الصناعة،وتعزيز مشاركة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المشروعات الوطنية لدعم توطين الصناعة، وإنشاء مراكز أبحاث وتطوير مخصصة وحاضنات إبتكار تركز على القطاعات الصناعية الرئيسية مثل الطاقة المتجددة، الغاز الطبيعي، الزراعة، الأدوية، السيارات، الإلكترونيات، ومشاركة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فضلا عن تعزيز سلاسل التوريد المحلية وقدرات التصنيع في ظل ما توليه من أهمية لتمكين القطاع الخاص وزيادة الصادرات. وفى المقابل إستفادة الجانب الياباني من الفرص الاقتصادية التنافسية التي تقدمها مصر، فضلا عن أهمية تعميق الشراكة مع JICA والمؤسسات التمويلية الأخرى لتحفيز إستثمارات القطاع الخاص في المجالات ذات الأولوية.