الرباب ….//في بلدتنا القديمة التي كانت تبعد كثيرا عن قلب الوطن في القاهرة حيث ترقد في قارة اسيا ويفصلها عن الام ممر قناة السويس المائي وفراسخ من الصحراء الجرداء حيث لامطر ولاخضرة ولاماء ولاحياة…فقط معسكرات متفرقة هنا وهناك تعيش وسط الجفاف في القرية الكبيرة العريش..التي اصبحت مدينة تعج بساكنيها ومن كثرة الاحداث بها اصبحت معروفة للقاصي والداني…في هذه البلدة كان المستشفى اقرب الى الوحدة الصحية فهو لايضم تخصصات ففي مطلع الستينات كان العلاج ينحصر في بعض زجاجات معبأة يدويا من شباك صيدلية المستشفى الاميري واذا كنت طالبا وذهبت الى الصحة المدرسية فلن تقابل الا الدكتور عابدين الذي تزوج من العريش وعاش بها كل حياته كطبيب عام…وبعد الاحتلال الاسرائيلي ..استمر الحال على ماهو عليه فاذا كانت حالة ولادة فيتم استدعاء الدكتور فتحي حال والذي كان يقوم بدور الولادة الطبيعية فإن تعسرت ارسلها الى المستشفى لتقوم بتحويلها بسيارة الاسعاف التي يقودها العم طلعت عروج الى مستشفى خانيونس لاجراء ولادة قيصرية…ولم تعرف العريش اخصائي مقيم الا محمد ابو الوفا الذي كان اخصائي نساء ولكنه لم يمكث كثيرا بها…ولكن ماذا عن طبيب العظام…فلايوجد…كان العم شعبان الرباب هو اشهر مجبراتي في العريش بل قل في سيناء…فهو يستطيع تشخيص الكسر حتى بدون اشعة × ويضع جبيرة الجبس للمدة التي يحددها وهو من يقوم بفكها في الوقت المناسب ولم يقتصر عمله على الكسور ولكن على رد الخلع اذا حدث في مفصل الكتف او الكوع….صدقني هذه حقيقة ولا ابالغ اذا قلت ان الرعيل الاول اعتمد بشكل كامل على طب التجبير وتدليك التمزق”التمريج” على العم شعبان الرباب رحمه الله فقد كان طبيب عظام وعلاج طبيعي بارعا وقاسيا في نفس الوقت فبعض الكسور قد تحتاج الى تخدير لاعادتها الى موضعها…ولكنه كان يعتمد على مبدأ القوة والتحمل مستعينا بأحد المساعدين من اقارب المريض…هكذا كان الطب في بلدتي خليط من الوصفات البلدية من العطارين او اللجوء للطب الشعبي ولامانع من الذهاب الى بعض مشايخ الدجل الذين يدعون العلاح بالجن او مشايخ الدروشة الذين يدعون العلاج بالقرأن واخر العلاج الكي…واذا فرغوا من كل هذا ذهبوا الى الطبيب العام الذي كان كشكول في وقته ويستطيع ان يصل الى التشخيص في كثير من الاحيان ولكن اسلوب العلاج قد يحتاج الى متخصص وهو لم يكن متوفر فإما الذهاب الى القاهرة قبل الاحتلال الاسرائيلي او الذهاب الى اطباء في غزة او القدس اثناء الاحتلال…ولا يستطيع احد ان ينسى” الرباب” ولكني لم اتأكد من صحة اطلاق هذا اللقب ..هل هو كنية حقيقية ام لقب اكتسبه من طبيعة عمله حيث ان كلمة الرباب هي لفظ قرآني يعني الاعمال الصالحة؟ وان كان يطلق على عازف الربابة المصنوعة من الخشب وجلد الماعز في البيئة الاعرابية…على اية حال فقد كان سببا في شفاء حالات كثيرة ومن المؤكد ان هناك حالات استعصت عليه او لم تجبر كما كانت لكنه اجتهد فله كل الاجر…وخاصة انه لم يكن يتقاضى عن هذا العمل اي مقابل مادي وورث اللقب ابائه واحفاده ولكن لم يتوارثوا هذا العمل فلربما لانه يحتاج الى مهارة خاصة او نظرا لتطور الخدمة الطبية الى حد كبير في بلدتنا النائية……هذه احد حكايات العريش عاصمة سيناء التي كانت لايعرفها احد