مصر القاهرة – أماني سعدالدين
تشهد دار الأوبرا.. اليوم، الثلاثاء ١٢نوفمبر حفل توقيع كبير للشاعر السعودي الكبير د. عبد الله باشراحيل، الذي تنشر أعماله الكاملة لأول مرة في مصر.
من المرتقب أن يحضر حفل التوقيع جمع كبير من أدباء ومثقفي ومفكري مصر، كما يشهد الحفل انطلاق جائزة الشاعر د. باشراحيل بكل فروعها وتفاصيلها لتكون إضافة كبيرة للحياة الثقافية العربية، ومنصة مهمة لإثراء الحياة الأدبية، ودعم الإنتاج الأدبي العربي، خاصة أن أمانة الجائزة ستقوم بطباعة الكتب الفائزة، علاوة على استكمال منتدى الشاعر د. باشراحيل الذي يواصل احتضان ودعم المواهب الأدبية، وطباعة وتسويق كتب هؤلاء النابهين مجانا.
والأعمال الكاملة لباشراحيل، عبارة عن سبعة مجلدات، وتضم خمسة وثلاثين كتابا، تتنوع ما بين الشعر العمودي الفصيح، والشعر الشعبي، والنثر الذي يضم مقالات الشاعر التي نشرت في الصحف السعودية والعربية، وهي المرة الأولى التي تنطلق فيها الأعمال الكاملة للشاعر في مصر.
ويشهد حفل التوقيع الإعلان الرسمي عن انطلاق جائزة الشيخ محمد صالح باشراحيل رحمه الله، وهو والد الشاعر، وذلك عن دار نشر (منازل) التي تولت طباعة ونشر الأعمال الكاملة للشاعر باشراحيل.
وكان الراحل الشيخ محمد صالح باشراحيل صاحب منتدى ثقافي مهم في مكة المكرمة، وكان يستضيف كبار علماء الدين، ورجال الأدب والثقافة والفكر، وقد استكمل ابنه الشاعر الكبير د. عبد الله مسيرته الثقافية، فواصل عقد المنتدى، وقام بطباعة أبرز الأعمال التي تبناها المنتدى، كما كان المنتدى يطلق جائزة باشراحيل التي كرمت في دورتها الأولى الشاعر السوري علي أحمد سعيد (أدونيس)، وكان يساهم بالإشراف عليها من مصر، عمرو موسى، والراحل د. صلاح فضل، ود. حسين كامل بهاء الدين.
ولأن الشاعر د. عبد الله باشراحيل مهتم باستكمال مشروع والده الثقافي، فقد قرر أن تكون القاهرة منطلق نشر أعماله الكاملة، وإطلاق الجائزة في ثوبها الجديد، عازما على أن تكون الجائزة ثقافية جامعة لكل ما هو أصيل ومميز في الأدب العربي المعاصر دون أية خلفيات سياسية.
والشاعر د. عبد الله باشراحيل حاصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ويعتبر نفسه مصريا، حيث إن أخواله من مدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، كما يفتخر بجذوره الممتدة إلى شاعر قبيلة كندة (امرؤ القيس)، فهو عربي قح ، مصري الهوى، ابن مكة المكرمة، وعاشق القاهرة، كما يعشق كل ما هو عربي، فقد سبق وكرمه الرئيس السوداني عمر البشير، وكتب الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة مقدمة ديوانه (وحشة الروح)، وهو يجمع بين ريادة الأعمال والثقافة والأدب، وكتب الشعر العمودي الفصيح في كل مجالات الحياة، وما ترك شاردة ولا واردة إلا كتب فيها شعرا، وهو شاعر كلاسيكي مخضرم، يعتز بتراثه مضمونا وشكلا، كما أنه شاعر لا يصادر على أية تجارب حداثية، وفي باب المديح يقرض الشعر ليس للتكسب بل لإظهار سجايا الممدوح، وعلى سبيل المثال له قصيدة في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم من مائة وخمسين بيتا بعنوان (مئوية الحب)، وله ديوان بعنوان (أقمار مكة)، وديوان كامل في مدح الصحابة كلهم ، فضلا عن قصائده في مدح ورثاء والده ، وله ديوان (سيد الصحراء) في مدح الملك المؤسس للشقيقة السعودية، فضلا عن قصائده في رثاء أصدقائه أمثال محمود درويش، وسميح القاسم وغيرهما.
قرابين الوداع
يقول الشاعر د. عبد الله باشراحيل في قصيدته ( قرابين الوداع ) :
(تذكرت الزمان وكيف كنا – شموعا يستضيء بها النزيل)
(يساهرنا الصبا والروح نشوى – وليل الحالمين بنا يطول)
(شربنا من دنان الصدق حتى – ليحسبها الرقيب هي الشمول)
(وكم خضنا الصعاب ولم نبال – لجمع شتات أقوام تحول)
(نحاول والبراءة في خطانا – ولم ندر الذي كم يستحيل)
(ونحسب أن في يدنا التصافي – وما صفت القلوب ولا الخليل)
(تفرق شملنا في كل ربع – كثير نحن فرقنا القليل)
حتى يقول :
(حبيبي كيف كنا ، كيف صرنا ؟ – يرود حياتنا قال وقيل)
(وما زلت المحارب دون قومي – أفدي ما استطعت ولا أقول)
(حملت هموم أحبابي وحيدا – وحمل أحبتي دوما ثقيل)
(ولست معاديا أهلي وقومي – ولا يعدو على الأهل الأصيل)
ويختم قصيدته بقوله :
(سيذكرني الأكارم بعد موتي – بأني الصادق الشهم النبيل)
(وأحمد خالقي كم ذا حباني – بفضل ما يناظره مثيل)
(وأعلم أن لي عمرا قصيرا – وتدركني المنايا والرحيل)
(سأرحل راضيا عني لأني – صدقت، وبالوفاء أنا الجميل)
كتب في إهداء ديوانه (قرابين الوداع) ثلاثة أبيات إلى رسول الله جاء فيها :
(إلى رسول الهدى أهدي الذي انكتبا – مدائحا فيه تحوي الشعر قد عذبا)
(للشمس أمي ، وللبدر العلي أبي – من أورثاني التقى والفضل والنسبا)
(لكعبة الله نور الأرض قاطبة – لأرض مكة، أرضي أنشر الأدبا)
ويقول في مقدمة ديوانه عن مفهومه للشعر :
(إن الشعر قضية، والشاعر إذا لم يكن صاحب قضية في شعره فليس بشاعر، وكل ما يقوله مجرد لصق الكلمات بعضها إلى بعض مفتقدة إلى رجاحة القول، وقوة المعنى والمبنى، ولم يكن الشعر قط قائلا بالإسفاف وضحالة المعنى، وتكلف الأداء الشعري الذي تمجه الذائقة العقلية، ويعرض عنه حذاق الشعر، وأهل البيان ، فما هذا المسخ الذي جاء به دعاة التغريب وأرداوا إلحاق نسبة المولود سفاحا إلى الشعر العربي ؟!) .
وانتقد الشاعر د. عبد الله باشراحيل دعاة ما تسمى (قصيدة النثر) ، قائلا :
(.. وقد أخذوا من الحداثة بطرف وأهملوا ما تعنيه الحداثة في كلياتها ، فالحداثة الغربية منظومة كبيرة تجمع في تنظيرها الفنون والتقنية والصناعة والتكنولوجيا ، وكل ما يمت إلى الفكر الإبداعي الخلاق بصلة ، حقق الغرب بها إعجازا للكثير من علوم الأرض والفضاء ، وعندما حدد العرب الحداثة واختصروها في الفن فقط وزهدوا في أخذها كمنظومة متكاملة حبسوا عقولهم في دائرة ضيقة ولم يستطيعوا الخروج بفكرهم لأبعد من حداثة تقزيم الشعر والآداب العربية حتى ذهبوا وذهبت حداثتهم المزعومة إلى الجحيم).
يقول الناقد د. أشرف الشحات في رسالته لنيل درجة الدكتوراة تحت عنوان (تجليات الهوية في شعر عبد الله باشراحيل):
(إن الشاعر باشراحيل واحد من أكبر شعراء السعودية المعاصرين ، ويتميز بضخامة إبداعه الشعري وتنوعه، وهو شاعر وناقد مارس العمل السياسي محليا ودوليا، كما تنوعت وتعددت الدراسات النقدية عن مسرته الشعرية، .. ولد الشاعر في مكة مهبط الوحي فامتزج شعره بالروح الدينية والعاطفة الصادقة، وتأثر بوالده صاحب المنتدى الثقافي، والتقى من خلاله بأعلام العصر في الأمة ومثقفيها، علاوة على امتداد نسبه إلى جده (امرؤ القيس)، فكتب القصيدة العمودية الفصيحة، ثم كتب (قصيدة التفعيلة) بداية من ديوانه (قناديل الريح)، ولكنه لم يسلم قياده للحداثة كلية، وأنسن باشراحيل كثيرا من الموجودات من حوله، ولم تكن قصيدته تشكيلا شعريا فحسب، بل الوعي بالكتابة كان هو الأساس).
أراء النقاد في شعره
وعن رأي النقاد في شعره يقول الناقد الراحل د. صلاح فضل:
(يقدم المشروع الإبداعي لعبد الله باشراحيل الذي استمر منذ ربع قرن بالوتيرة ذاتها نموذجا فائقا لانتصار شعر الحياة المحافظ في قوالبه والمتمرد في دلالته ، فهو مفعم بالغنائية ومثقل بالتعبير الشجي عن وجدان الإنسان المعاصر وضميره).
ويقول الناقد د. عبد الله المسدي :
(هو رجل في أبهى سنوات عمره، عريق الجذور في عروبته البعيدة، حجازي العشرة والمؤالفة، سعودي الأمانة والوفاء حد الامتلاء، وفي شعره اقتناص شديد للواقع مع التناص الذاتي).
ويقول د. محمد مصطفى هدارة عن شعره :
(المضامين الثرية التي ينداح بها شعره في دوائر متصلة بواقع الإنسان المعاصر بوجه والإنسان العربي المعاصر بوجه خاص، تمتع العقل والوجدان معا).
وقال د. ناصر الدين ألسد في مقدمة ديوانه (البرق الحجازي):
(باشراحيل شاعر يعطي شعره بسخاء من ذوب عاطفته ومن ذات فكره وخياله ، فيبادله شعره عطاء بعطاء، وسخاء بسخاء، تقرأ القصائد فتحس بما تمتلئ به نفس الشاعر من صفاء، وترفع عن الصغائر، وصفح عن الحاقدين والحاسدين).
وقال فيه علي أحمد باكثير وعبد الله عمر بلخير :
(الشاعر باشراحيل مرآة نفسه، ومنارة عصره، وشعره حافل بالجمال والخيال، ومجمع الوزن والموسيقى).
وقال أدونيس في رسالة إليه:
(إنني رأيت فيك ما يؤكد شاعريتك المتوثبة، وشواغلك الإبداعية، إضافة إلى تحقيق قفزات تعبيرية وجمالية).
ولد الشاعر د. عبد الله باشراحيل في مكة المكرمة في 8 أبريل سنة 1951م، وحصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، ويرأس أكثر من مجموعة ومؤسسة، وعضو بأكثر من جمعية ثقافية، وصدر له سبعة وعشرون ديوانا شعريا بداية من ديوان (معذبتي) سنة 1978م وحتى ديوان (اللآلئ) سنة 2017م ثم (قرابين الوداع) سنة 2023م، وله ستة كتب نثرية، علاوة على كتب نقدية مثل (أصداء الصمت) و(خريف الفكر) و(شذرات)، وتمت ترجمة شعره إلى لغات كثيرة مثل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية، وكتبت عنه مؤلفات نقدية عديدة، وأكثر من رسالة جامعية، وجرى تكريمه في أكثر من بلد عربي، وفي العديد من الجامعات ومهرجانات الشعر والأدب، علاوة على مشاركته في أكثر من مهرجان شعري في عواصم عربية وأوربية وأمريكية، وأسس أكثر من جائزة باسمه واسم والده لشباب الأدباء في أكثر من بلد عربي.