مفتـــــــــــــــــاح الفـــــــــــــــــــــــرج
يقولون في الأمثال
الشعبية أن الصبر مفتاحًا للفرج. وكأن الفرج بابًا يمكنك أن تفتحهُ بمفتاحٍ وحيد
هو الصبر. فما هو الصبر إذن؟ يعرّفون الصبر في علم النفس بأنه القدرة على المُثابرة
عند مواجهة مواقف عديدة. ولكن السؤال الذي نطرحهُ لأنفسنا هو هل كلُ صبراً يعتبر ممدوحًا
ومفتاحًا للفرج بحق، أم أن هناك صبرًا لا يجب أن نعمل بهِ؟
في واقع الأمر إذا
تأملنا في مواقف معينة يكونُ الصبرُ فيها مطلوباً لأجل النيلِ من أهدافٍ إيجابية مرجوة،
فسنجد أن الصبر فيها جميلاً. قد تكون هذه المواقف مصائب موتٍ لأجل طلب التعزية من
الله، أو إحتمال عواصف المشاكل اليومية حتى تسيرَ مركب حياتنا في خُطاها في سلام. الصبر
على حلولٍ لأمورٍ لم نستطع حلها بعد عدة محاولات سعينا إليها بأنفسنا، لننتظر الحل
الأمثل في المستقبل. أو الصبرُ في المرض لأجل الرجاء في الشفاء. الصبرُ على عملٍ
لا نحبه من أجل تحقيق هدف العيش من خلالهُ أو حتى الحصول على عملٍ آخر أفضل أو محبوب.
الصبرُ على أشخاصٍ
نحبهم ونحتويهم فنتحمل أخطائهم لأن لهم عندنا رصيدًا حقيقيًا من العِشرة الطيبة
والمواقف القوية التي لا تُنسى أو لأننا لا يمكن أن نكرههم أبدًا مهما فعلوا،
كعلاقة الأباء بالأبناء أو العكس. وأحيانا أشخاصًا لا يُشترط محبتنا لهم ولكننا
نصبر على إساءتهم لئلا نرتكب أخطاءًا نندم عليها فيما بعد.
وأحيانًا أيضاً يكونُ
الصبرُ جميلاً حينما يكونُ متمثلاً في المثابرة في المذاكرة والمرور بأسئلة
إمتحانات لانتظار النجاح والتقدير للمجهود من قبل نتيجة هذه الامتحانات. أو الصبرُ
في المشاركة في مسابقة علمية أو ثقافية أو رياضية أو أيًا كان والعمل بجدٍ واجتهاد
من أجل الحصول على جوائز أو تكريم. فهذا صبرُ مُفرِح. الصبرُ لإعداد وتجهيز أمورٍ مفيدة
أو مفرحة في المستقبل كتجهيز ندوات أو الإعداد للزواج أو تجهيز حفلات، كلُ هذا يحتاج
إلى الصبر أي إنتظار الكثير من الوقت للإعدادات والتجهيزات حتى الوصول إلى تاريخ
الحدث المنتظر.
إذن الصبر هو أنْ
تصمد أمام الأمور القدرية المُفاجئة التي حدثت خارج عن إرادتك في صورة الموت
أو المرض أو
المصائب أو المشاكل أو الصدامات مع الآخرين من القريب أو البعيد ومحاولة تحمُّلها برجاء
بقدر الإمكان حتى يَهبنا الله التعزية والحل من عنده. ومن ثَمَّ يتحول هذا الصبر
إلى تزكية من عنده لأننا إحتملنا ما لم نرغب فيهِ. وهو أيضاً المثابرة الإرادية في
مواعيدٍ معروفة من أجل الحصول على نتائج مُفرحة.
وكما أنَّ الصبرُ ممدوحاً
في معظم الأوقات، إلا أنه ليس كذلك في بعض الأوقات. فمن الممكن جداً أن يصبرالإنسان
على ما أصابهُ من مكروهٍ بتذمر ودمدمة طوال الوقت، ومن ثمَّ لا يعتبر تحمَّل ما
أصابهُ برضا. والصبرُ غيرَ مطلوباً حينما تُنتهك حرمة شخصٍ أو يتم التعدي على
حقوقهِ من الآخر أو من خلال جهةٍ معينة. فلا يجب القول بأن التحمُل هنا فضيلة، لأنه
مَن منا يُحب الإهانة أو إضاعة حق من حقوقهِ؟! وكذلك الصبر يعتبر جريمة حينما
ننتظر طويلاً لإنقاذ أو إسعاف مريض أو جريح أو مُصاب، فكلُ دقيقة تمرُ تعرض حياتهُ
للخطر.
لذا فالصبرُ مفتاحًا
للفرج حينما يكونُ فيهِ تحمُّل برجاء على المفاجآت الغير سارة، وعلى إنتظار تحقيق
أهدافٍ سارة من ترتيباتٍ معروفة. وهو لا يعتبر أبدًا مفتاحًا للفرج حينما يكونُ
فيهِ تعدٍ على الحقوق أو المجازفة بحياة إنسان. فدعونا نصبر بحكمة.