الناقد/ عصام الدين صقر يكتب.. دراسة نقدية لقصة منال الأخرس ( الوجه الثاني )
دراسة نقدية لقصة منال الأخرس ( الوجه الثاني )الفائزة بجائزة إحسان عبد القدوس
الناقد عصام صقر : نغمات على إيقاع السرد عند الكاتبة الصحفية /منال الأخرس ،فى قصة الوجه الثانى الحاصلة على جائزة إحسان عبد القدوس .
إذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل لليل أن ينجلى ولا بد للقيد أن ينكسر .
تلك كلمات أبى القاسم الشابي تناصا مع قصتنا اليوم التى جاءت راصدة لتحولات الشخصية المصرية أثناء ثورة يناير وبعدها تأسيا بثورات عالمية سابقة مع فارق الشبه .
إن شبه تجريد القصة كاملة جاء معلنا عن أفضلية تجريد القصة كاملة ، كما وشت القصة بأمر فى غاية الأهمية، وهو أنه من الرائع تحلى القصة بالقدر الكافى من البلاغة إعلاء لشأن القصة والقاص .
جاءت القصة كسفينة فى بحر خضم يدفعها شراع مشحون بالدلالات ،كما اتت اللحظة الفارقة فى نهاية القصة كعتبة خاتمة على نحو جيد ، فنجحت منال الأخرس فى إقامة علاقة جدلية بين الراوى والسرد ،كما تجد أن الزمان عندها قائم على مستويين ،الأول يتعلق بالزمان الخارجى المعبر عن الإطار التاريخى الذى تقع احداثه أثناء القصة ،والمستوى الثانى يتعلق بالزمان الدرامى الداخلى وهو المنظم الداخلى لبنيوية النص ،ولعل هذا كان هو عمود الخيمة فى إقامة توازن بين المستويين فاكتسى الحوار والسرد بالسيمولوچية الموحية فى إشارتها للسياق الدرامى ،كما تعاطفت ودعمت الإحساس الشعبى أثناء الثورة وبعدها ،فأحالت ذلك إلى التصوير الفنى بتقنية السرد والاسترجاع من مخزن الأسرار وهو ألبوم الصور ، فاشتبكت هنا مع تصوير الحالات النفسية للأشخاص بالقصة ،فجاءت تلك القصة كنص مستقل واقعى يمكن النظر إليه على صعيد الحركة الواقعية شكلا وموضوعا ،فاستمدت قوتها من منطق الطبيعة البشرية كما يعرفها للقارىء ويرضاها فى حدود الجائز والمتاح .
فوقفت على عتبات مقولة فيكتور هوجو : الحرية هى الحياة ولكن لا حرية بلا فضيلة .
فنجد أن الكاتبة استخدمت النص كوسيلة لتجسيد وتوصيل للتجربة الثورية فى صورتها الفنية مكثفة ومركزة حاملة معها شحنتها الشعورية المميزة لها .
لنرى معها أن استهلال القصة رائع جدا وتقديم ماهر للشخصيتين الرئيسيتين المؤديتين للقصة .
المعادل الفرعى للقصة فى جملة ،: (انجذابى للأرض عندى هو أصل الحياة )
كما مقطع اخر أكثر روعة تقول فيه ( حينما كنت فى نعيم الجاذبية الأرضية لا أنظر إلا إلى السماء ،كانت عيناى معلقتان فى السماء ) تقنية التجسيم حاضرة هنا .
ثم تقول ( الغوص فى الأسفل فقط عذاب والتحليق فى السماء فقط ضياع ،إن الوجود بينهما هو البهجة ) مقطع تقرير ى يحيل إلى الوسطية .
ثم تقديم رائع لثورة يناير العظيمة فتقول : ( لم أتعرض للسرقة أبدا فى حياتى إلا فى أعقاب الثورة ، كانت البلد بتتسرق كل يوم لكنى لم أتعرض للسرقة المباشرة قط ،كنت قبل الثورة أسرق بشكل غير مباشر ،وبعدها أصبحت أسرق بشكل مباشر ) وهنا فكرة التحول الأخلاقى بعد الثورة والتغيير فى السلوك النمطى فالبلطجة أصبحت سيد الأحداث هى إفرازات غير مرغوب فيها لكنها طبيعية فى تلك الحالة .
ثم تقول ( الان امكث فى حضن الجاذبية اغرقتنى جبالها الحزينة ) وهنا فكرة التأرجح
ثم فكرة الامل بالله القائمة فى جملتها ( الله سوف يرفع عنا تلك الغمة بداخلى شىء مخطوف لا أعرفه لكننى أريد أن أسترده ،عاد كل شىء كما كان لكن حافزنا هو الوطن )
نعم فحافزنا وحافظنا هو الوطن .
ونأتى إلى الطرح الاستفهامى الرائع ( هل سيأتى يوم يتوارى فيه الفساد ) إنه الأمل والرجاء .
ثم تقول فى تصدير فكرة الحياة تسير وحتمية ذلك المسير ( انصرفت صديقتها إلى المترو وبقيت وحيدا فى طريقى إلى مكتبى )
ومع سؤال أراه عتبة كبرى فى القصة تقول فيه ( لماذا أتفحص مخزن أسرارى )
سادتى الكرام : قصة الوجه الثانى للكاتبة منال الأخرس قصة جيدة جدا جديرة بقراءة ممتعة مستفيضة .
لها ولكم منى أطيب التمنيات بالتوفيق والنجاح .
الناقد / عصام الدين صقر