دكتور سمير المصري يكتب.. والدي { الباب الكبير … الذي ظاهره القسوة ولكن باطنه الرحمة }
النهارده المقابلة الشخصية الأولى في حياته للحصول على وظيفة مرموقة في إحدى الشركات الكبرى .
ولو تم قبوله فسيترك هذا البيت ” الكئيب ” إلى غير رجعة وسيرتاح من أبيه ، وتوبيخه الدائم له .
استيقظ في الصباح الباكر واستحم ولبس أجمل الثياب وتعطر ، بأجمل العطر … وهم بالخروج فإذا بيدٍ تربت على كتفه عند الباب .
التفت فوجد أبوه متبسما رغم ذبول عينيه ، وظهور أعراض المرض على وجهه وناوله بعض النقود ، موجها حديثه له قائلا …
{ أريدك أن تكون إيجابيا … واثقا من نفسك ولا تهتز أمام أي سؤال . }
فتقبل من والده النصيحة على مضض ، وابتسم وهو يتأفف من داخله ، حتى في هذه اللحظات لا يكف عن النصائح وكأنه يتعمد تعكير مزاجه في أسعد لحظات حياته – هكذا يقول لنفسه _
وخرج من البيت مسرعا ، واستأجر سيارة أجرة وتوجه إلى الشركة .
وما أن وصل ودخل من بوابة الشركة حتى تعجب كل العجب !!!
فلم يكن هناك حراس عند الباب ولا موظفو استقبال سوى لوحات إرشادية تقود إلى مكان المقابلة.
وبمجرد أن دخل من الباب لاحظ أن مقبض الباب قد خرج من مكانه وأصبح عرضة للكسر إن اصطدم به أحد.
فتذكر نصيحة أبيه له عند خروجه من المنزل بأن يكون إيجابيا ،
تري ماذا فعل .. ؟
قام على الفور برد مقبض الباب إلى مكانه وأحكمه جيدا.
ثم تتبع اللوحات الإرشادية ، ومر بحديقة الشركة فوجد الممرات غارقة بالمياه التي كانت تطفو من أحد الأحواض الذي امتلأ بالماء الى آخره ، وقد بدا أن المسئول قد انشغل عنه .
وتذكر هنا تعنيف والده على هدر المياه فقام بسحب خرطوم المياه من الحوض الممتلئ ، ووضعه في حوض آخر مع تقليل ضخ حنفية المياه حتى لا يمتلئ بسرعة إلى حين عودة مسئول الحديقة .
ثم دخل مبنى الشركة متتبعا اللوحات ، وخلال صعوده على السلم لاحظ الكم الهائل من لمبات الإنارة المضاءة في وضح النهار ، فقام لا إراديا بإطفائها خوفا من صراخ والده الذي كان يصدح في أذنه أينما ذهب.
إلى أن وصل إلى الدور العلوي ففوجئ بالعدد الكبير من المتقدمين لهذه الوظيفة … أمر أصبح صعبا جدا ….
فقام بتسجيل اسمه في قائمة المتقدمين وجلس ينتظر دوره وهو يتمعن في وجوه الحاضرين وملابسهم ، لدرجة جعلته يشعر بالدونية من ملابسه وهيئته أمام ما لاحظه.
كان البعض يتباهى بشهاداته الحاصل عليها من الجامعات الأمريكية ، ثم لاحظ أن كل من يدخل المقابلة لا يلبث إلا أن يخرج في أقل من دقيقة .
فقال في نفسه إن كان هؤلاء بأناقتهم ، وشهاداتهم قد تم رفضهم فهل سأقبل أنا ؟؟؟!!! .
هم بالانسحاب والخروج من هذه المنافسة الخاسرة بكرامته قبل ان يقال له نعتذر لك .
فتذكر نصيحة والده وهو خارج من البيت ” أريدك أن تكون إيجابيا واثقا من نفسك ”
فمكث منتظرا دوره وكأن كلامه قد أعطاه شحنات ثقة بالنفس غير عادية .
ما هي الا دقائق فإذا بالموظف ينادي على اسمه للدخول.
دخل غرفة المقابلة وجلس على الكرسي في مقابل ثلاثة أشخاص نظروا إليه ، وابتسموا ابتسامة عريضة ثم قال أحدهم متى تحب أن تستلم الوظيفة ؟؟
فذهل وظن أنهم يسخرون منه أو أنه أحد أسئلة المقابلة ووراء هذا السؤال .. فماذا وراءه ؟
فتذكر نصيحة والده له عند خروجه من المنزل بألا يهتز وأن يكون واثقا من نفسه.
فأجابهم بكل ثقة …
بعد أن أجتاز الاختبار بنجاح ان شاء الله.
فقال آخر لقد نجحت في الامتحان وانتهى الأمر.
فقال … ولكن أحدا منكم لم يسألني سؤالا واحدا !!!
فقال الثالث نحن ندرك جيدا أنه من خلال طرح الأسئلة فقط لن نستطيع تقييم مهارات أي من المتقدمين ، ولذا قررنا أن يكون تقييمنا للشخص عمليا …فصممنا مجموعة اختبارات عملية تكشف لنا سلوك المتقدم ، ومدى الإيجابية التي يتمتع بها ، ومدى حرصه على مقدرات الشركة ،
فكنت أنت الشخص الوحيد الذي سعى لإصلاح كل عيب تعمدنا وضعه في طريق كل متقدم ، وقد تم توثيق ذلك من خلال كاميرات مراقبة وضعت في كل أروقة الشركة.
حينها فقط اختفت كل الوجوه أمام عينه ونسي الوظيفة والمقابلة وكل شئ …ولم يعد يرى إلا صورة أبيه !!!
ذلك الباب الكبير الذي ظاهره القسوة ، ولكن باطنه الرحمة والمودة والحب والحنان والطمأنينة ، لقد شعر برغبة جامحة في العودة إلى البيت والإنكفاء لتقبيل يديه وقدميه.
لماذا لم أر أبي من قبل؟؟؟ و كيف عميت عيناي عنه ؟؟؟
عن العطاء بلا مقابل …عن الحنان بلا حدود …عن الإجابة بلا سؤال …عن النصيحة بلا استشارة …
لا تتأففوا من كثرة نصائح أبآئكم ، فإن من ورائها حبا كبيرا ستدركونه يوما ما …وعندما تكونوا في وضعهم ..
ربي إرحمهما كما ربياني .
” رحمة الله عليك أبي …”
غدآ صباح مصري جديد بمشيئة آلله تعالى ،،،