أصدرت منظمة جلوبال فاير باور “Global Firepower”، تقريرها السنوي، في مطلع الشهر الجاري، تحت عنوان “القوة العسكرية العالمية لعام 2023″، وهو التقرير المتخصص في الشؤون العسكرية، والذي يرتب حجم القوة العسكرية التقليدية، غير النووية، لعدد 145 جيش في العالم. يعد هذا التقرير من أهم الإصدارات العالمية، التي تترقبها كافة دول العالم، كل عام، سواء على مستوى الإدارات، أو الحكومات أو مراكز الدراسات الاستراتيجية، وذلك لتحليل بياناته، ووضع التقديرات الاستراتيجية لكل دولة، على كافة اتجاهاتها، ودوائرها الإقليمية، والدولية. وقد خرج تقرير عام 2023، مصنفاً الولايات المتحدة، كأقوى قوة عسكرية في العالم، محافظة بذلك على ترتيبها السنوي، يليها كل من روسيا، والصين، والهند، والمملكة المتحدة، وكوريا الجنوبية، وباكستان، واليابان، وفرنسا، وإيطاليا، كأقوى عشرة جيوش في العالم، بالترتيب.
أما مصر فقد احتلت قوتها العسكرية المركز الرابع عشر، على مستوى العالم، والأول على مستوى الجيوش الأفريقية والعربية، يليها السعودية، في المركز 22 عالمياً، والجزائر في المركز 26، والعراق في المركز 45، ثم الإمارات، والمغرب، وسوريا، وقطر، وتونس، واليمن، والسودان، وعمان، والكويت، والبحرين، وليبيا، والأردن، وأخيراً لبنان في المركز 111. وقد تلاحظ في تقرير هذا العام، استمرار تقدم مصر على كل من إيران وإسرائيل، اللاتي احتلتا المركزين 17 و18 عالمياً، على التوالي، كما استمر خروج إيران، من ترتيب أقوى عشر جيوش في العالم، بعدما اعتادت الترتيب ضمنهم، في عصر الشاه، وهو ما تغير، تماماً، منذ بداية عصر الخميني، الذي قلل اعتماده على الجيش النظامي، لحساب قوات الحرس الثوري، الذي يدين بالولاء لشخص ونظام الخميني، وليس للدولة.
وبتحليل مؤشرات أفرع القوات المسلحة لمختلف جيوش العالم، فقد احتلت القوة البحرية الصينية، المركز الأول، بين مختلف القوى البحرية، على مستوى العالم، تليها كل من روسيا، وكوريا الشمالية، ثم الولايات المتحدة في المركز الرابع، والسويد في المركز الخامس عالمياً، بينما جاء ترتيب القوة البحرية المصرية، في المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط، يليها الجزائر، ثم تركيا، والكويت، والمغرب. أما القوات الجوية العسكرية، فقد جاءت الولايات المتحدة على رأس القائمة، يليها روسيا، ثم الصين، والهند، وكوريا الشمالية، فيما جاء تصنيف مصر في المركز الثامن عالمياً، والأولى في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مستوى الدول العربية، يليها كل من تركيا، ثم السعودية، ثم إسرائيل، والإمارات. وحول تصنيف الدبابات، جاءت روسيا، على رأس أقوى خمس دول في العالم، تليها كوريا الشمالية، والولايات المتحدة، والصين، ثم مصر، في المرتبة الخامسة عالمياً، والأولى على مستوى الشرق الأوسط والدول العربية، تليها كل من إيران، وسوريا، وتركيا، وأخيراً إسرائيل.
وتشير تقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية، إلى إن نجاح مصر في تكوين هذه القوة العسكرية، والتي تبادلت فيها مركز أقوى جيش في الشرق الأوسط مع تركيا، يرجع لعدة أسباب، أهمها اتخاذ الرئيس عبد الفتاح السيسي، قراراً، فور توليه مسؤولية البلاد، بتنويع مصادر السلاح، بعد 40 عاماً من اعتماد الجيش المصري على السلاح الأمريكي، وهو القرار الذي لم يقصد منه التقليل من أهمية السلاح الأمريكي، وإنما اعتبار الأمن القومي المصري على رأس الأولويات عند تدبير احتياجات الجيش المصري من الأسلحة، والمعدات المختلفة، وبما يضمن استمرار توفير قطع الغيار، والدعم الفني اللازم لتلك الأسلحة. أما السبب الآخر، فيعود لعدد ونوعية التدريبات المشتركة التي شارك فيها الجيش المصري مع الجيوش الأجنبية، بما رفع من كفاءة الخبرات القتالية المتبادلة بين كافة الأطراف.
جدير بالذكر أن تقرير منظمة جلوبال فاير باور يعتمد في تقييمه للقوى العسكرية على خمسون مؤشر، يأتي في مقدمتها أعداد الأسلحة والمعدات الحربية في كل دولة، مثل الدبابات والمدفعية والصواريخ والعربات المدرعة والمدمرات والغواصات والطائرات بأنواعها والرادارات، وغيرهم، كما يعتمد على الكفاءة القتالية لتلك القطع الحربية، وتحديثها وفقاً لأعلى المعايير العالمية. ومن المؤشرات الهامة في التقييم، هو القوة البشرية لجيش الدولة، وهو ما يشير لأعداد القوات العاملة والمقاتلة، فضلاً عن قوات الاحتياط، التي يدخل نظام تعبئتها في الحسابات. يلي ذلك مؤشر حجم الإنفاق العسكري، ونسبته من موازنة الدولة، ومؤشر آخر وهو حساب القوات شبه العسكرية في الدولة، مثل قوات الحرس الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية، وقوات الأمن المركزي في مصر، ومهمتها في تأمين الأهداف الحيوية في الدولة، خاصة في أوقات الحرب، لتتفرغ القوات العسكرية لمهام القتال.
نأتي بعد ذلك لمؤشر القواعد العسكرية للدولة، وتوزيعها لتأمين مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، وهو ما تفوقت فيه مصر، خلال الأعوام السابقة، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد حكم البلاد، بإنشاء أحدث ثلاث قواعد عسكرية في مصر، أولها “قاعدة برنيس”، على البحر الأحمر، لتأمين المدخل الجنوبي للمجرى الملاحي لقناة السويس، “وقاعدة 3 يوليو”، في الاتجاه الاستراتيجي الشمالي، لتأمين حقول الغاز الطبيعي والبترول في البحر المتوسط، ثم “قاعدة محمد نجيب”، أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة، لتأمين الاتجاه الاستراتيجي الغربي، في اتجاه ليبيا. يضاف لما سبق عوامل أخرى، تتساوى في الأهمية، مثل قدرة الدولة على التصنيع الحربي، وعلى نظام التجنيد، واعتماد الدولة على أبناءها للخدمة بالقوات المسلحة، فضلاً عن الروح المعنوية للجيش.
ومرة أخرى، خرج التقرير مؤكداً على عقيدة الجيش المصري، بضرورة استمرار التفوق، لضمان تأمين حدود البلاد، وأمنها القومي، ومقدرات شعبها العظيم.