في ظل تدهور الظروف العالمية، تواجه مصر كغيرها من الإقتصاديات العالمية الناشئة، مجموعة متشابكة من التداعيات السلبية تمثلت في زيادة عجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة معدلات التضخم ،وخروج تدفقات نقدية مفاجئة وكبيرة من المحافظ الإستثمارية في الخارج، ولا شك أن الوضع الإقتصادي في مصر قد إرتبط بمجموعة من الدوائر المثقوبة، وعلى رأسها يأتي عجز الموازنة العامة للدولة، بعد ان زادت الفجوة بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة لأكثر من 30 مليار دولار طبقا لمشروع موازنة العام المالي الحالي وبدون حساب أقساط الفوائد، ومع إحتساب الدولار عند 18.49 جنية، أقساط الديون والفوائد تمثل 54% من إجمالي الإنفاق، بينما تمثل الأجور 13% والإستثمارات الحكومية 12% فقط ، وجدير بالذكر أن ما نحن فيه الآن ليس بجديد علينا في العصر المعاصر، فقد مرت به مصر أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ،حيث توقفت مصر عن سداد ديونها،رغم أن مصر الآن ملتزمة بسداد الديون في مواعيدها المقررة وهو ما عكس زيادك حجم الثقه في قدرة ومرونة الإقتصاد المصري على التغلب على التداعيات السلبية للأزمات المالية المتلاحقة، وعكس ايضاً ثقة المؤسسات الدولية في مرونه الاقتصاد المصري وقدرته على التعافي سريعاً، لكن ما نؤكد عليه ان مصر في نهايه الثمانينيات كانت على أعتاب أزمة خانقة للديون، لكن أعقب ذلك حالك من الإنتعاش النسبي في الخزانة العامة بداية التسعينات بسبب حرب تحرير الكويت وشطب أكثر من نصف ديون مصر في نادي باريس، إلا أن ذلك لم يصاحبه إصلاح مالي وهيكلي لمواجهة إرتفاع عجز الموازنة المستمر ،مع الميل الدائم للإستدانة ،وعدم المحافظة على قيمه العملة،والفشل العملى فى ترشيد النفقات وتعظيم الإيرادات، كذلك فإن من أهم الدوائر التي يعاني منها الإقتصاد المصري هي دائرة الازمة المالية العالمية الراهنة والتي إنعكست على تراجع ترتيب مصر في مؤشر التنافسية العالمية ويرجع هذا التراجع إلى ثلاث نقاط ضعف رئيسية في الإقتصاد المصرى أولهما : التدهور الإقتصادى نتيجة إستمرار ضعف التجارة الداخلية والخارجية، مع إمكانية حدوث تقلبات في السوق المالي وسط زيادة أسعار الفائدة، مع خطر إمتداد فترة الركود والانكماش لأكثر من فترتين ماليتين خلال العام المالي الحالي. ثانيهما :هو عدم كفاءة سوق العمل الحالي. وثالثهما عدم كفاءة المؤسسات التعليمية وضعف جودتها حالياً، إلا أن هذا لم يثنينا عن تسليط الضوء على النقاط الإيجابية في تقرير للبنك الدولي حول مستقبل الإقتصاد المصري في ظل تداعيات الأزمة العالمية الراهنة، وقدرته على الصمود من خلال الإصلاحات المالية والهيكلية، فقد أكد تقرير البنك الدولي على ان مصر تشهد الآن تحسنا في اداء القطاع الخارجي مدفوعاً بزيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج لأكثر من 34 مليار دولار وإرتفاع إيرادات السياحة لأكثر من 16 مليار دولار، وزيادة تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر إلى قطاعات إستخراج الغاز والبترول، وبالتالي فإننا نؤكد أن التمسك بسلامة مجموعة الحزم الإقتصادية من أجل التكيف مع ما يمر به العالم من أزمات، والتعامل مع تناقص المستفيدين عالمياً، لابد وأن يستند إلى ضرورة التعامل مع الأزمة المالية الحالية على أنها ازمة مركبة تتالف من مجموعة من الأزمات والتوابع، ومع ضرورة البحث عن سبل لزيادة الإيرادات وأهمها زيادة الحصيلة الضريبية، وزيادة الإستثمارات الحكومية في الموازنة العامة، وهو أمر مرتبط بضروره الإستمرار في الإصلاحات الإقتصادية الكلية، والهيكلية، لتجاوز الوضع المالي الحالي المتمثل في وجود إختلالات إقتصادية كلية، والحاجة إلى تعزيز اداء قطاع الطاقة والسعي لتعبئة التمويل لمواجهة الأزمات المالية بحسابات أفضل ،وزيادة إحتياطيات النقد الاجنبي، مع السعي إلى حوكمة إصلاحات مؤسسات الدولة لتحسين بيئة الأعمال ،وزيادة مشاركة القطاع الخاص ،وتعبئة راس المال في قطاعات معينة.وهذا الامر يتطلب ضروره السعي نحو التمسك بمجموعة من الحزم الإقتصادية، مع ضمان الحفاظ على سلامتها عبر إدارة للأزمة التي نواجهها حاليا من خلال الآتي :
أولاً على المستوى الداخلي: ١-اعداد برنامج للتقشف بهدف سد عجز الموازنة العامة، وزيادة الإستثمارات والإيرادات الضريبية بحد أدنى 25% لكل منهما، من أجل حل مشكلة البطالة، ومشكلة الفقر . ٢-التغيير في سياسات الإقراض وتوفير التسهيلات الإئتمانية عبر تخفيض سعر الفائدة، لزيادة فرص نمو المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر كأحد خطي الحد من التضخم والبطالة. ٣-الإهتمام بقطاع الزراعة والتوسع في إستخراج النفط والمعادن. ٤-التأكيد على أهمية توطين الصناعة المصرية وعبر المشروعات القومية الكبيرة، وعمل شراكات مع القوى الإقتصادية الفاعلة دولياً، وبخاصة في مشروع تنمية محور قناه السويس. ٥-الإهتمام بقطاع مصائد الأسماك كألية من آليات سد الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي .٦-إعداد برامج حقيقيه تضمن الجذب السياحي والإستفادة من حزمة المقومات السياحية الإستثنائية الموجودة على أرض مصر.
ثانياً على المستوى الخارجي:
وهو ما سوف نتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.
د.علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام