الأديبة لمياء بولعراس تكتب.. أمي ورأس السّنة الإدارية
لم تكن أمّي في معزل عن كل احتفال يجلب السعادة لبيتنا ،
كانت في كل الأحوال تتهيّب لرأس السنة الإدارية لا لغير كونها مناسبة لإلقاء ما تبرّم من وجه الأيام الماضية في وجه
الرٌيح ..فلعلّ الاحتفال يمطر خيرا بعض الغيمات الدّاكنة في سماء صفوها .
في اللّيلة السّابقة لرأس السنة الإدارية تمر أمي علينا في مخادعنا لتذكرنا بتعليق الصيام !!
_”قوم مضمض فمك انت واختك غدوة اصبحوا صايمين رجعوا دينكم … مالا النهار قصير وشقان الفطر على عشاء قمقوم ..عشاء راس العام الي قلك “
كنا نصغي لكلامها على مضض ..كيف يمكن قضاء دين إفطار أيام من شهر رمضان لفئة البالغات أن يتلاقى بعيد رأس السنة الميلادية ؟َ
كل النواميس خاضعة لخيارات صوفية ..لابأس أن نصوم لنفطر على ديك رومي …ولا بأس أن نصوم بوازع إسلامي كي نفطر على إحياء تقويم نصراني ..تلتقي المفاهيم في “شون “امي لنيل مرضاة الله بتسديد دين صوم ونيل مرضاة
السعادة النفسية ببساطة عهدتها الصوفية دون اعتماد مبادئ التنمية البشريّة ..وهي” موضة ” هذه الأيام.
نصحو في ٱخر يوم من السنة في كسل ، فالصوم في صقيع ديسمبر من باب “دجنبر ..كول وقنبر ..” إلا أن جانفي لم يحل بعد وأن بطوننا في ثغاء وقرقرة لقرّ الطقس و فعل الصوم
_ يا الحبيب جيبلنا خبزة القاتو من عند “مخلوقة ” أما ولاد ” “زلز ” بش يجيبلنا كمال ميلفوي معاه وقت يهز من عندي رفيسة رشتة النجارة الحلوة…
يغادر أبي بيتنا ليلتحق ببائع الحلويات ..يتخير لنا منها ما يشبع نهمنا في تلك الليلة كصائمين قبل أن نقيم الليل لحلول منتصفه فنبلغ الثواني الأولى من العام الجديد .
أتحامل على نفسي لترتيب البيت وتزيين الجدران وكانت أختي تمسك بزمام أمور المطبخ مع أمي ..يحمل الديك الرومي على أكف من الأيادي الحريرية َ! تسلقه أمي في “مقفول ” وعند استوائه نسبيا ،تخرجه من مرقه لتستغل “قوّتُو الكل ” في طهو ” شوربة ” شقان الفطر بنكهة ديك راس العام !
تأخذ أمي الديك الرومي وتزجّ به في الفرن وهو بين اكليل وزبدة يتضوّر بين ألسنة اللهب كتضورنا ونحن نبتلع ريقنا اشتهاء لمائدة إفطار على نخب السنة الإدارية ..
اتخذت غرفة الاستقبال اللون الأحمر والأبيض بين مفروشات
وأغطية ..ورتبت المائدة بأفخر الأواني من “جهاز أمي” العائد لفترة الاستعمار _ومازلت أحتفظ بصحن منها عمره يناهز القرن .._
_ٱنزعي عني كل سواد من الغرفة” خلًي العام يجينا أبيض يرفرف ويجري في عروقنا الدم ..يملاها بالحلال يا رب “
كنت أراكض الريح لأنهي مهام التزويق والتحليق بعصافير بطني بعيدا وأنا أنظر لخبزة “قتو مخلوقة “”وملفوي كمال ولد زلز” بنهم ..أما رائحة الديك الرومي وهو يتلظى جوعا بل نارا جعلني أرقب ٱذان المغرب بريحة الريفيون.
أذّن المغرب وصاح الديك وأذن لناة بالأكل المباح ..وأخيرا
انتصبنا على مائدة الإفطار .
أكلنا وحمدنا الله على نعمة جمعنا فيها طيلة سنة ورفعنا دعاءنا له أن يعيد جمع شملنا في السنة القادمة…
ترفع الصحون وترتُب الطاولة من جديد لكي تنصب عليها الحلويات
_ قوموا زينوا وبدلوا خلي العام الجديد يجي زين كيفكم
عندها نسرع “للتزيين والتدبيغ ” ومن لا يحب القيافة والتجميل من معشر الفتيات والنساء ..
نلبس ثياب سهرة ونحن نقبع أمام شاشة التلفزة ..نتسامر ونتراقص على إيقاعات السهرة التلفزية التي كان ينشطها في تلك الليالي الملاح المرحوم نجيب الخطاب .
ومع حلول منتصف الليل تطلق أمي الزغاريد استهلالا بسنة فرح و تأمر كل واحد منا بالرقص في حلبة بيت الاستقبال فرادى فرادى ثم جماعة..
_اشطحوا .. وافرحوا ..حد ما هاززها معاه …سبق الفرح تلقى الفرح
ومع إشراقة العام الجديد تفتح أمي النوافذ وتدعو الله بدوام النعمة والصحة وتنذرنا ألا ننظر إلى الشيوخ من المارة وٱنما نطيل النظر لشاب أو شابة كي ينقضي عامنا الجديد يافعا رشيقا مثل شباب أول من نلقي عليه البصر من النافذة …في اليوم الأول من جانفي