الدكتور حسام حسن أبو السعود يكتب.. أسباب صمم بيتهوفن وكيف كان يستمع لألحانه ويكتب موسيقاه
أسباب صمم بيتهوفن وكيف كان يستمع لألحانه ويكتب موسيقاه
الموسيقار العالمي الألماني لودفيج فان بيتهوفن (Ludwig van Beethoven)(1770م : 1827م) أحد أهم الموسيقيين كعازف لامع وموهوب على آلة البيانو، كان كل شيء يبدو جيداً للموسيقي الشاب، مع احتمال وجود مهنة طويلة وناجحة في المستقبل، ثم بدأ يُلاحظ صوتاً طنيناً في أذنيه، وكان كل شيء على وشك التغيير فقل التعرف على الكلمات وحساسيته للأصوات عالية التردد، الضوضاء الطنانة، حيث ذكر ذلك في كتاباته ورسائله الخاصة لأحد أصدقاء طفولته الذي كان يعمل كطبيب في مدينة بون الألمانية عام 1796م أي وهو في سن 26 من عمره قائلاً: “على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبح سمعي أضعف بشكل مطرد. يمكنني أن أعطيك فكرة عن هذا الصمم الغريب عندما يجب أن أخبرك أنه في المسرح يجب أن أقترب جداً من الأوركسترا لفهم فناني الأداء، وأنني من مسافة بعيدة لا أسمع النغمات العالية للآلات وأصوات المطربين… في بعض الأحيان أيضاً بالكاد أسمع الناس الذين يتحدثون بهدوء. الصوت الذي أسمعه صحيح، لكن ليس الكلمات. ومع ذلك، إذا صرخ أي شخص لا أستطيع تحمل ذلك”، وفي عام 1798م بدأ بيتهوفن رحلته مع الصمم، حيث فقد60٪ من سمعه بحلول عام 1801م أي وهو في سن 31 من عمره.
الخوف من مواجهة القدر
حاول بيتهوفن إخفاء أخبار المشكلة عن المقربين منه. فكان يخشى أن تُدمَّر حياته المهنية إذا أدرك أي شخص وكتب في ذلك قائلاً: “لمدة عامين تجنبت جميع التجمعات الاجتماعية تقريباً لأنه من المستحيل بالنسبة لي أن أقول للناس أنا أصم. إذا كنت أنتمي إلى أي مهنة أخرى فسيكون الأمر أسهل بكثير، لكن في مهنتي، إنها حالة مخيفة”.
وذات مرة كان بيتهوفن في نزهة ريفية مع زميله الملحن فرديناند ريس(Ferdinand Ries)(1784م : 1838م)، وأثناء المشي رأوا راعياً يعزف الموسيقى. كان بيتهوفن سيرى من وجه ريس أن هناك موسيقى جميلة تُعزَف، لكنه لم يستطع سماعها. ويقال أن بيتهوفن لم يعد هو نفسه مرة أخرى بعد هذا الحادث، لأنه واجه صممه لأول مرة. يبدو أن بيتهوفن كان لا يزال يسمع بعض الكلام والموسيقى حتى عام 1812م، ولكن في سن ال 44 من عمره، كان أصماً تماماً تقريباً، وغير قادر على سماع الأصوات أو الكثير منها، وكان ذلك مُدمراً بالنسبة له.
أسباب إصابة بيتهوفن بالصمم
السبب الدقيق لفقدان السمع لديه غير معروف. فتتراوح النظريات مابين مرض الزهري إلى التسمم بالرصاص، أو ربما عادته في إغراق رأسه في الماء البارد لإبقاء نفسه مستيقظاً أكبر وقت ممكن، فق أسفرت نتائج تشريح جثته بعد الوفاة أن لديه أذناً داخلية منتفخه، وفي أوقات أخرى ألقى باللوم على مشاكل الجهاز الهضمي. وكتب قائلاً: “يجب أن يكون سبب ذلك هو حالة بطني التي كما تعلمون كانت دائماً بائسة وتزداد سوءاً، لأنني دائماً ما أعاني من الإسهال، الذي يسبب ضعفاً غير عادي”.
والجدير بالذكر أنه كتب عام 1804م سيمفونيته الشهيرة رقم 5 التي غالباً ما يُشار إلى فكرتها الافتتاحية الشهيرة باسم “القدر يطرق الباب” فقدان السمع القاسي الذي كان يخشى أن يصيبه لبقية حياته.
طُرق العلاج التي اتبعها بيتهوفن
بدا لبيتهوفن في بداية الأمر أن أخذ حمام فاتر من ماء الدانوب يساعد في تحسن الحالة الصحية للجسم وأمراض المعدة لكن صممه أصبح أسوأ. قائلاً: “أشعر بأنني أقوى وأفضل، باستثناء أن أُذني تُغني وتطن باستمرار، ليلاً ونهاراً” وكان أحد العلاجات الغريبة هو ربط اللحاء الرطب بذراعيه حتى يجف فلم يعالج هذا الصمم فقد عمل فقط على إبعاده عن البيانو لمدة أسبوعين، وبعد عام 1822م، تخلى عن طلب العلاج لسمعه وجرب مجموعة من المعينات السمعية، مثل أبواق السمع الخاصة.
الكثير يتساءل: إذا كان بيتهوفن لا يسمع، كيف كتب الموسيقى؟
كان بيتهوفن قد سمع الموسيقى وعزفها خلال العقود الثلاثة الأولى من حياته؛ لذلك كان يعرف كيف تبدو الآلات والأصوات وكيف تعمل معاً. كان صممه تدهوراً بطيئاً، وليس فقدانا مفاجئاً للسمع؛ لذلك كان بإمكانه دائماً أن يتخيل في ذهنه كيف ستبدو مؤلفاته.
تذكرت مدبرة منزل بيتهوفن أنه مع تدهور سمعه، كان يجلس على البيانو، ويضع قلم رصاص في فمه، ويلمس الطرف الآخر منه بلوحة الصوت الخاصة بالآلة، ليشعر باهتزاز النوتة، وفي سنواته الأخيرة، عندما أثر الصمم على قدرته على التأليف بشكل صحيح، قام بقطع أرجل البيانو الخاص به، واستخدم الأرضية كلوحة صوت. مستلقياً بأذنه على الأرض الخشبية، وضرب نغمات البيانو بأحجام مختلفة لقياس ما إذا كان مستوى الصوت يتناسب مع الموسيقى التي يمكن أن يسمعها في رأسه أم لا.
هل غير صمم بيتهوفن موسيقاه؟
في أعماله المبكرة، عندما كان يسمع النطاق الكامل للترددات، استخدم نوتات أكثر حدة في مؤلفاته، وعندما فشل سمعه، بدأ في استخدام النوتات الأقل حدة التي يمكنه سماعها بشكل أكثر وضوحاً، وكتب خلال هذه الفترة صوناتا البيانو باسم ضوء القمر(Moonlight Sonata)، أوبراه الوحيدة فيديليو(Fidelio)، وست سيمفونيات؛ وفي نهاية حياته عادت النوتات العالية إلى مؤلفاته مرة أخرى؛ مما يُشير إلى أنه كان يسمع الأعمال تتشكل في خياله.
التدهور السمعي وتمكن الصمم
استمر بيتهوفن في الأداء لكنه انتهى به الأمر إلى تحطيم البيانو عن طريق الضرب عليه بشدة من أجل سماع النوتات، وفي 7 مايو عام 1824م أصر بيتهوفن على قيادة سيمفونيته الكورالية الضخمة في العرض الأول لها، حيث استأجرت الأوركسترا مايكل أوملاوف (Michael Umlauf)(1781م : 1842م) للوقوف إلى جانبه والذي طلب من العازفين أن يتبعوه ويتجاهلوا توجيهات بيتهوفن للقيادة، فقد لاقت السيمفونية في ذلك اليوم تصفيقاً جماهيرياً حاداً لم يستطع بيتهوفن سماعه، الأمر الذي دفع أحد شباب عازفي الأوركسترا بالاقترب منه واستداره لمواجهة الجمهور؛ لرؤية التصفيق العاشق لموسيقاه الرائعة، ورحلة كفاح ومعاناة طويلة مُكلله بالنجاح.
بقلم دكتور/حسام حسن أبو السعود
مدرس البيانو بقسم التربية الموسيقية
كلية التربية النوعية
جامعة المنيا