«معلومات الوزراء» يستعرض الآفاق المستقبلية لبطاريات السيارات الكهربائية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديدًا حول بطاريات الصوديوم ودورها في سد عجز سوق السيارات الكهربائية، ففي ظل التزام الدول بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري خلال عام 2050.
أشارت تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى ضرورة تشغيل نحو 2 مليار سيارة كهربائية بحلول العام ذاته، وقد ساهم ازدياد الاهتمام العالمي بقضايا البيئة خلال الفترة الماضية في نمو سوق السيارات الكهربائية بشكل أسرع خلال السنوات القليلة الماضية، مقارنةً بقطاعات الطاقة المتجددة الأخرى مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وعلى الرغم من الطفرة في الإنتاج، فإن مبيعات السيارات الكهربائية لم تتعدَ 6.6 ملايين سيارة فقط في عام 2021؛ إذ يرجع ذلك، بشكل كبير، إلى ارتفاع تكلفة السيارات الكهربائية ونقص المواد والعناصر المستخدمة في صناعة البطاريات، المكون الأغلى في صناعة السيارات الكهربائية، والتي تعد بمثابة القلب للسيارة الكهربائية بحيث يمدها بالطاقة، وفي هذا الصدد، اتجهت بعض الشركات إلى تصنيع بطاريات جديدة تعتمد على معادن أكثر وفرة وأقل تكلفة.
سلط التحليل الضوء على أزمة نقص عنصر الليثيوم والذي يُعرف بأنه “الذهب الأبيض”، حيث تتعدد الصناعات التي يدخل في إنتاجها -ما بين السيراميك والأواني الزجاجية والشحوم والصلب والصناعات المتعلقة بالطيران-، إلا أن أحد أهم استخداماته يتمثل في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن، وبخاصة البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، حيث استحوذت البطاريات على نحو 74% من إجمالي استهلاك عنصر الليثيوم خلال عام 2021.
وفي ظل الاتجاه العالمي نحو الحفاظ على البيئة واستبدال السيارات التقليدية بأخرى كهربائية، شهد إنتاج الليثيوم طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية؛ استجابةً لارتفاع الطلب العالمي عليه، حيث بلغ معدل نمو إنتاج الليثيوم عالميًّا نحو 177.49% ليصل إلى نحو 106 ألف طن خلال 2021، مقارنةً بعام 2016، إلا أن تلك الطفرة في الإنتاج لا تواكب حجم الطلب العالمي، المتوقع أن يرتفع بنحو 13 مرة في ظل سيناريو التزام الدول بالسياسات البيئية الحالية المعلنة، في حين يُتوقع أن يرتفع الطلب بأكثر من 51 مرة في ظل سيناريو تبني سياسات تتوافق مع أهداف اتفاقية باريس. لذلك تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن يشهد العالم أزمة نقص كبيرة في عنصر الليثيوم بحلول عام 2025.
وقد بدأت بوادر تلك الأزمة في الظهور بالفعل خلال الفترة الماضية، حيث ارتفعت أسعار الليثيوم بما يقرب من 400٪ تقريبًا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، ليصل سعر الطن إلى حوالي 54 ألف دولار، مقارنةً بمتوسط سعر الطن خلال عام 2021، حينما بلغ نحو 11 ألف دولار. وقد تؤدي تلك الزيادة في أسعار الليثيوم إلى زيادة تكاليف تصنيع السيارات الكهربائية بنحو 1000 دولار، في الوقت الذي تتسابق فيه الشركات على خفض أسعارها لزيادة تنافسيتها مقارنةً بالسيارات التي تعمل بالبنزين، إلا أن زيادة أسعار الليثيوم ستؤدي إلى كبح التوسع في مركبات الطاقة النظيفة، مما يجعل من الصعب تحقيق الأهداف البيئية العالمية.
كذلك ساهمت الندرة النسبية لليثيوم في تفاقم الأزمة، حيث تتوافر احتياطيات العنصر في عدد محدود من الدول، على رأسها دولة تشيلي –التي تهيمن على نحو 45.4% من الاحتياطي العالمي بنهاية عام 2021 وتليها أستراليا بنحو 28.1%، فيما تهيمن ثلاث دول فقط على نحو 90% من الإنتاج العالمي لليثيوم خلال عام 2021، حيث جاءت أستراليا في صدارة الدول المنتجة لعنصر الليثيوم خلال عام 2021، بحجم إنتاج بلغ نحو 55.4 ألف طن، تلتها تشيلي بنحو 26 ألف طن، ثم الصين بنحو 14 ألف طن.
ولا تقتصر الأزمة على نقص الليثيوم فحسب، وإنما أشارت بعض الدراسات إلى عدة تأثيرات سلبية لعملية استخراجه ومعالجته؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإنتاج كميات كبيرة من النفايات المعدنية؛ مما يلوث الهواء والتربة، بجانب احتمالية تسرب بعض المواد الكيميائية السامة إلى إمدادات المياه، حيث اتضح وجود آثار من عملية معالجة الليثيوم على الأسماك بعمق 150 ميلا في أحد الأنهار بدولة نيفادا، وبالتالي تؤدي زيادة الاعتماد على الليثيوم إلى زيادة الضرر البيئي بدلاً من العمل على حماية البيئة وتقليل الانبعاثات الضارة.
لذلك، بدأت بعض الشركات في البحث عن بدائل أكثر استدامة لعنصر الليثيوم، يمكن استخدامها في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وأثمرت تلك الجهود عن إطلاق شركة CATL -المتخصصة في مجال تقنيات الطاقة الجديدة- الجيل الأول من بطاريات أيونات الصوديوم للسيارات الكهربائية في عام 2021، على أن تدخل في حيز الإنتاج الفعلي في 2023؛ حيث يتميز عنصر الصوديوم بأنه معدن مستدام؛ فهو العنصر السادس الأكثر وفرة على كوكب الأرض، كما تتميز بطاريات أيون الصوديوم الجديدة بعدم احتوائها على عناصر الكوبالت أو النيكل التي قد تؤدي إلى تلوث البيئة.
ولا تزال بطاريات الصوديوم في مرحلة التطوير؛ فهي قليلة الكثافة في الطاقة مقارنًة ببطاريات الليثيوم السائدة، إلا أنها تتفوق على بطاريات الليثيوم في عدة مزايا أخرى مثل قابليتها للعمل في الطقس البارد، وسرعة الشحن، وطول دورة عملها، بجانب توافر عنصر الأمان؛ لكونها غير قابلة للاشتعال، على النقيض من بطاريات الليثيوم التي تسبب الكثير من الحرائق والانفجارات، كما تتميز بطاريات الصوديوم بإمكانية تفريغ البطارية أثناء النقل، فضلاً عن انخفاض تكلفة تصنيع تلك البطاريات مقارنًة ببطاريات الليثيوم بحوالي 30٪.
وناقش التحليل الآفاق المستقبلية لبطاريات الصوديوم فعلى الرغم من تعدد المزايا التي تتسم بها بطاريات الصوديوم، فإنها لا تزال تحتاج إلى تطور كبير حتى تتمكن من اللحاق بمثيلتها المصنعة من الليثيوم، حيث أظهرت الأبحاث الحديثة أن حزم الطاقة في بطاريات الصوديوم لا تزال غير فعالة للاعتماد عليها بمفردها في السيارات الكهربائية، حيث يمكن استخدامها لتخزين طاقة احتياطية فقط، بما يوفر طاقة عالية لفترات قصيرة تتراوح من دقيقة واحدة إلى 10 دقائق، كما يتطلب الأمر زيادة كثافة الطاقة في خلايا بطاريات الصوديوم بنحو ثماني مرات حتى يتسنى استخدامها في المركبات الكهربائية.
إلا أن الخبراء في المجال يعتقدون أن الآفاق المستقبلية لبطاريات أيون الصوديوم قد تتحسن على المدى الطويل، بحيث تحل محل بطاريات الليثيوم في السيارات الكهربائية، -حيث ساهمت سهولة توافر عنصر الصوديوم، وإمكانية الوصول إليه، فضلاً عن تمتعه بجودة كهروكيميائية أعلى من حيث قدرة تفريغ الشحن-، في ارتفاع الطلب على بطاريات أيون الصوديوم، الأمر الذي دفع شركة تصنيع السيارات الصينية (JAC) إلى الإعلان عن إطلاق نسخة تجريبية من سيارتها الكهربائية (Sehol E10X) التي تعمل باستخدام بطاريات أيونات الصوديوم.
وقد ساهمت تلك التطورات الكبيرة في التوقع بنمو سوق بطاريات أيون الصوديوم العالمي بمعدل سنوي مركب يقترب من 11.07% خلال الفترة من 2021 إلى 2028، بحيث يصل إلى نحو 2503 ملايين دولار أمريكي بحلول عام 2028.
وأشار المركز إلى أن نمو الطلب العالمي على بطاريات السيارات الكهربائية، مصحوبًا بارتفاع أسعار عنصر الليثيوم وندرته، سوف يشكل حافزًا كبيرًا لبطاريات أيون الصوديوم للعمل على سد الفجوة في السوق العالمية واستبدال بطاريات خلايا الليثيوم خلال السنوات القادمة، بما يعزز من تحقيق الأهداف المناخية العالمية والاقتراب من صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.