طه العبد يكتب.. إغضب
إغضب
الشاعر: طه العبد
إغضب
لماذَا بَعدُ لَمْ تَغْضَبْ؟
ألَمْ تُسلَبْ؟ ألَمْ تُضْرَبْ؟
ألَمْ يَأكُلْ لَحْمَكَ السّجَّانْ؟
ألَمْ تَشْرَبْ / عَصِيرَ الذُّلِّ والحِرمَانْ؟
ألَمْ يَنْهَبْ / طَوقَ نَجَاتِكَ السُّلطَانْ؟
ألَمْ يَسْرِقْ بَعضَ أَحْلاَمِكْ؟
ألَمْ يَأْخُذْ صُبحَ أيَّامِكْ؟
ألَمْ يَطْرَبْ / عَلَى أَصواَتِ آلامِكْ؟
فَقُل لِي أيُّها الإنسَانْ
لماذا بَعدُ لَمْ تَغْضَبْ؟
إلامَ الذُّلُّ أخْبرْني
إلامَ الخَوفُ والإذعَانْ؟
ألَمْ تَسْمَعْ هَدِيرَ الشَّعبِ
حرَّكَ ثورَةَ البُركَانْ؟
ألا يُشجِيكَ طَيرُ الدَّوْحِ
يُرسِلُ في السّمَا بَوحَا؟
ألَمْ يَملَأْ شِغَافَ الصَّدرِ
فَوحُ شَقَائِقِ النُّعمَانْ؟
ألَمْ تَحْمِلْ في الحَشَا رُمْحَا؟
كَفَى وَهْمًا
فإنَّ العِزَّ لا يُوهَبْ
وإنَّ العَيشَ مَرهُونٌ بمَا يُكْسَبْ
مِنْ فَمِ الثُّعبَانْ
فلا تَرهَبْ
لماذا بَعدُ لَمْ تَغْضَبْ؟
أَلَسْتَ تَرَى أُفُقًا فِيهِ الطَّيرُ قَدْ أَسْرَى؟
ألَمْ تَتَذَوّقِ الأشجَارَ تَعْصِرُ فَوحَها خَمْرا؟
ألَمْ تَشْهَدْ غَضْبَةَ الأمْواجِ تَنْحَتُ شَاطِئًا صَخْرا؟
ألَمْ تَسْمَعْ هَدِيرَ البَحرِ يَجْثُو عِندَ مَرسَاةٍ
لَهَا قُبطَانْ،
حَرَّكَ عِزَّةَ المَركَبْ؟
تَحَدَّتْهُ الرّيحُ لَمْ يُغْلَبْ
لمَاذَا بَعدُ لَمْ تَغْضَبْ؟
ألَيسَ لَديكَ أَطْفَالٌ
على غَدِهِمْ، أنتَ مُؤْتَمَنُ؟
أتَتْرُكُهمْ لِسَيفِ الذُّلِّ يَقْطَعُ لَحْمَهُم إرْبًا
وتَزْعُمُ عِنْدَهُم وَطَنُ؟
أتُوهِمُهم بِعَيشٍ كُلُّهُ رَغَدٌ
وأَدْنَى عَيشِهِم كَفَنُ؟
أتترُكُهم لِدَربِ كُلُّهُ شَوكٌ
وفِيهِ ثَعَالِبٌ كَمَنُوا؟
أتَرْضَى أَنْ تَعِيشَ بِحُرقَةِ الإذلالْ
لِرَأْسِ الشَّرِّ مُرْتَهَنُ؟
يَسُوطُ الظَّهرَ جَلَّادٌ
وتُدْمِي كَفّكَ العَقْرَبْ
وأنتَ الرِّيحُ تُزْجِي الغَيمَ والمَطَرا
وأَنتَ الفَجرُ أو أَقْرَبْ
لمَاذَا بَعدُ لَمْ تَغْضَبْ؟