دكتور مصون بيطار تكتب.. النهايات
لا أفكر بشيء في هذا الصباح.. أجهز قهوتي المعتادة.. وأشرد بروحي التي تفقد كل يوم حاسة منها.. نتيجة حتمية لكل ما يحدث.. فأنا لم أتعلم إلى الآن كيف أفصل بين من أخذتهم الحرب.. و من بقوا.. فكلاهما نخر أيامهم سوس الفقد واللاجدوى.أنهي فنجاني وأنا مستسلمة لفكرة النهايات.. النهايات هنا.. مثل قميصك الذي ترميه بعد أن مللت لونه.. وما زال يواجهك هذا اللون أمام كل واجهة ملابس تمر بها.. مثل.. جوربين نخر في إحداهما ثقب الطرقات.. فاضطررت للاستغناء عنهما كليهما.. بلا مبالاة.. وتعد الطرقات بمزيد من الخطو.. النهايات.. شجرة المشمش التي كنا ننتظرها كل عام لنصنع المربى.. فجاء ثلج قاس وهبط عليها فقسمها شطرين.. والمربى انتهى علقماً..
النهايات… الموال الذي يبقى عالقاً في فمك.. حتى تأتي أغنية ما وتأخذ مكانه.. ومع الوقت تنساه ولا تستطيع تذكره..
النهايات.. آخر لقمة من صحن سلطة أو أي أكلة محببة لك.. تحاول فيها أن تتأنى ليبقى طعمها حاضراً لأطول وقت.. لكنك سرعان ما تفكر بعدها بفنجان قهوة ليغسل النكهة العالقة بفمك..
النهايات.. الموتى الذين لن يستمعوا مجدداً لترهاتك عن الحياة.. والحب.. والحرب والسلم.. لأن إصغائهم سيكون محدوداً بالعصافير التي ستقف على شواهدهم.. وحفيف ورق الريحان اليابس.. والأصوات البعيدة المحايدة ستكون مثل ترتيلة حب لصمتهم..
النهايات.. صوتك وأنت تقول لمن تحبه (بحبك) وأنت تعرف أنك قلتها بكامل يأسك لمن غاب بعيداً.. فيردد الصدى أصوات لباعة الكرز.. والناعم.. وطرقات بائع الغاز على أسطوانات ستنتهي وهي تنوص ككل النهايات..
النهايات.. أمنية الموت بالرصاص وليس ذبحاً.. مع أن للموت نهاية واحدة وحتمية.. انقطاع النفس الأخير منا جميعاً ونحن نتلمس أعناقنا..
النهايات.. وأنت تضغط على زر الانهاء في هاتفك.. وأن تعود وحدك.. خالياً من أي صوت.. يعكر مزاج الصمت..
النهايات.. تشبه الموت.. وتشبه أيامنا المهجورة.. وأغنياتنا.. وقصائدنا.. وآخر شفّة من فنجان القهوة الصباحي.. وآخر كلمة تود قولها لكل من غادروك..
النهايات.. كأول حب.. وآخر حب.. حاسم ومضنِ.. لكنه يكتب فيك إشعارات وجودك اللحظي.. فيه.. ومن ثم يطويك ويمضي.
كاتبة سورية