دكتور صلاح سلام يكتب.. أم معاذ وأبو الحسن
كنت أحب الشعرية الساخنة وعليها قليلا من السمن البلدي والسكر في طفولتي الشاقة..فقد كانت هذه جائزتي المفضلة في ليالي الصيف والعجوة المقلية بالبيض في ليالي الشتاء هذا هو العشاء و”الاوردفل” بلغة الالافرنكة او التحلية بلغة ولاد البلد…ولم تكن الشعرية مصنعة وتباع في السوبر ماركت في زمن الستينات وما ادراك ما الستينات ولم يكن هناك سوبر ماركت من أساسه.. فالبقال هو عنوان المرحلة…لذلك كانت تصطحبني الحاجة وهيبة”ياسمين” معها وهي تحمل على رأسها كمية من الدقيق لنذهب إلى السيدة ام معاذ وهي على مسافة ليست ببعيدة من بيتنا فهي في أول شارع الصاغة المتفرع من شارع ٢٣يوليو وهو الشارع اليتيم في بلدتنا العريش ويمتد من محطة القطار على شاطئ البحر إلى ميدان البلدية وقد كانت أم معاذ تسكن في بيت ذو مساحة واسعة في ثاني نمرة من شارع الصاغة على اليسار وفي ساحة البيت طاولات من الخشب منشورة تعانق أشعة الشمس حيث يكتمل نضج الشعرية الخارجة توا من “القادوس” وهو عبارة عن حلة كبيرة يوضع بها العجين ويتم تدويرها لتخرج خيوط الشعرية مثل ماكينة اللحم المفروم اليدوية ولكن بشكل اكبر… ولم اكن اعرف سر التكنولوجيا اليدوية طبعا في أن بعض من هذه الشعرية يخرج ابيض والآخر بني اللون…وبعد أن تجلس امي بعض دقائق تحتسي شاي الضيافة وتتجاذب أطراف الحديث عن اخبارها واسرتها وزبائنها طبعا نغادر لنعود في اليوم التالي لنحمل المنتج في أكياس من الورق المصنوع من أكياس الاسمنت فلم تكن أكياس البلاستيك او النايلون معروفة في تلك الأيام.. أما عن المنتج فهو كما ذكرت قد يستخدم احيانا بغرض الترفيه..ولكنه كان أيضا يستخدم كخليط مع الأرز بعد تحميصه قليلا لإعطاء نكهة خاصة وربما للاقتصاد في استخدامه فالدقيق ارخص…وهكذا كانت ربات البيوت تتحايل على المعايش كما كانوا يقولون بلكنتهم ..أما المشهد الاغرب الذي كنت الاحظه هو تلك الكرة التي كانت تحتفظ بها امي في الدولاب الخاص بها وهي عبارة عن سلسلة طولية من بقايا القماش سواء كانت هذه البقايا من فضلات تفصيل البيجامات لنا او الملابس القديمة حيث يتم قصها لتصبح شريط طولي تربطه بآخر طرف للقماش المخزون عندها على شكل كرة وهكذا تظل الكرة تكبر يوم عن يوم إلى أن تصل إلى حجم يفوق كرة الماء بكثير…واحيانا كانت تفصل انواع القماش فتضع الوصلات الباقية من تفصيل الملابس في كرة منفصلة عن الكرة التي تحتوي على الاقمشة القديمة او البالية …فلاشئ يتم التخلص منه فهناك صناعة تدوير المخلفات…والحاجة ام الاختراع..وقد كانت الحاجة وهيبة تسمي الكرة ذات الوان واطوال القماش المختلفة”الكورارية” ثم تصطحبني ونذهب إلى عمنا ابو الحسن وهو أيضا على مقربة من بيتنا واقرب من ام معاذ ومازال هذا الشارع يعرف باسمه وهو ماقبل قهوة بحري متفرقات من شارع ٢٣يوليو وايضا في البيت الثاني على يسار هذا الشارع توجد ورشة فيها “نول”وكنت أرى عروق خشبية عرضية فوق بعضها وبينها مسافة تصل الى قرابة المترين مشدود بينها عدد غزير من الخيوط المتقاربة وتتحرك بطريقة شبه دائرية من فوق لتحت… وعرفت فيما بعد أن هذه هي آلة صنع السجاد.. فلم يكن في بيوتنا لاسجاد عجمي ولا الحرير الإيراني ولاحتى النساجون الشرقيون كماهو الحال الان…وإنما هذا النوع من السجاد والذي ينقسم إلى قسمين…الكورارية ذات القماش الجديد تنتج سجاد يمكن فرشه في الفرندة البحرية امام المندرة عندما يأتي ضيوف في فصل الصيف من الأقارب أما الكورارية ذات القماش القديم فيمكن فرش سجادها في الغرف الداخلية او الفرندة الخاصة بالاسرة… وبين نول ابو الحسن وقادوس ام معاذ كانت لي حكايات مع ياسمين طيب الله ثراها وكيف لا وان أصغر أبنائها وهي امي وابي الذي لم اعيه فقد رحل قبل أن اعرفه