ناصر كمال يكتب.. منتهى السعادة
أجد أن كل ما يحدث حولي لا يخضع للمنطق.. الأحداث تتصاعد تبعا للصدف المتتالية.. الأشخاص الذين أقابلهم يتحدثون لغة لا أفهمها، وأجيبهم خارج سياق الحديث، فهو يملي على ما يجب أن أقول.. أجدني أسلك بطريقة تخالف ما أفكر فيه، وما أود أن أقوم به في الحقيقة.. الآن أنا في ورطة كبرى قد وضعني فيها، ولكني قادر على الخروج منها.. هناك خطوات قليلة أقطعها قبل أن أصل للنهاية السعيدة، ولكنه مصر أن أذهب في هذا الطريق الجنوني الذي ينتهي بموتي.. كل هذا ليكتب قصة جيدة من وجهة نظره، ويعدها للنشر في الصحيفة العريقة.. اعتقد أن كوني ميتا في نهاية المطاف ليس سيئا.. سوف يتيح لي الموت الخروج من هذه الدائرة العبثية، ومن عقله المرتبك أيضا.. العودة للعدم ستجعلني في منتهى السعادة.
* * * *
أيام قليلة هي التي قضيتها معهم.. منذ أن قدمت إلى هذا البيت، والجميع يحاول إسعادي.. الرجل يقصدني كل يوم، ليربت على جسدي.. ربما تكون تلك اللمسات مثيرة للشك وتجعلني غير مطمئن تماما، ولكنها تشعرني بأني محط اهتمام بالغ وحب واضح منه.. هؤلاء الأطفال الذين يحضرون الطعام لي كل يوم، ونلعب معا وهم يضحكون، يمنحونني الحياة التي طالما افتقدتها قبل ذلك.. تلك المرأة التي هي أم بكل معنى الكلمة، لم تنس مرة أن توفر لي الماء النقي للشرب.. لقد حصلت في تلك الأيام على الأجواء الأسرية التي لم أعشها يوما، حتى جاء هذا اليوم الذي كان الجميع فيه سعداء، ويرتدون الملابس الجديدة.. أحضر الرجل شخصا غريبا معه إلى المنزل.. في البداية ظننت أنه صاحب جديد، ولكنه ظل ينظر إلى، وهو يمسك بسكين حاد.. ارتعبت حقا، وحاولت أن أهرب، ولكن الجميع كان يحيطون بي.. الرجل والمرأة والأطفال جميعهم.. أمسك الشخص الغريب برقبتي، وكأنه يستعد لقتلي.. نظرت إليهم فوجدتهم سعداء.. يبدو أن هذا هو دوري الذي يجب أن أقوم به.. لم أكن غاضبا من أحد.. هو فقط بعض الألم، وبعدها اختفى كل شيء.
* * * *
أرسل إلي صديقي رسالة على هاتفي الجوال، ليهنئني بنشر قصتي في أهم صحيفة ثقافية.. ارتديت ملابسي مسرعا، واتجهت صوب الميدان العام، لأشتري الجريدة.. كانت الأمطار قد أغرقت الأرض البارحة، وصنعت بركا صغيرة على الطريق.. مرق بجانبي بسيارته الحديثة، فأغرق سروالي بالوحل.. تأففت وغضبت وهممت أن أسبه، ولكني تراجعت في النهاية.. تابعت المسير وأنا أنفض عني ما علق ببنطالي من الطين، فلم ألاحظه عندما مر بقربي، فاصطدمت به.. دفعني بقوة حتى كدت أن أسقط على الأرض.. اعتذرت له، ولكنه ولى وجهه صوب الناحية الأخرى.. حرصت بعدها أن أتفادى العابرين حولي، ولكن فرحي الذي خرجت به تحول إلى غضب وحزن فجاءة مما أصابني حتى الآن.. وصلت إلى بائع الصحف، وحصلت على الجريدة.. تصفحتها بسرعة، حتى وجدت قصتي وصورتي واسمي، فابتسمت قليلا.. نظرت للشارع فوجدته كبيرا جدا، لذلك رحت أبحث عن طريق للعودة.