دكتور صلاح سلام يكتب..عساك نجيب
لم تكن وسائل الرزق ميسورة في سيناء قاطبة قبل حرب يونية ١٩٦٧ فلا سياحة الا عدد محدود جدا من الأسر تأتي في الصيف لشاطئ العريش ولا صناعة سوى مصنع لزيت الخروع ولم يكتمل ولاتجارة فلا يوجد الا ميناء الطور ويعمل في وقت الحج البري فقط ولازراعة فالامطار محدودة وموسمية الا بعض الخضروات يزرعها البسطاء على آبار في مجرى وادي العريش وقليل من الرعي وان كان الاخير يحتاج إلى مراعي ولكنهم كانوا يعتمدون على ماتجود به السماء من المطر فتنبت الأرض بماتيسر لها من عشب…في الوقت الذي كانت فيه غزة منطقة حرة وبموجب اتفاق مابعد حرب ١٩٤٨ كان قطاع غزة تحت الانتداب المصري والضفة الغربية تحت الانتداب الأردني…وكما كانت بورسعيد منطقة حرة في اواخر السبعينات وعلى اثرها انتعشت التجارة في القنطرة غرب…حاول اهل سيناء الاستفادة من المنطقة الحرة ولكن هيهات..فقد كانت القوانين صارمة لأنها تعتبر منطقة عسكرية فاقصى مايمكن تهريبه هو “زنوبة” بديلا للقبقاب الذي كان يستخدم لدخول الحمام او مجموعة ملاعق وشوك وبعض الملابس وكان في العريش سوق الكرتك وبعرف الان بسوق الصعايدة تباع فيه بعض هذه المهربات ومعظم من يبيعون فيه هم من مهجري فلسطين والذين حكم عليه الزمن بالشتات …وكان بعض رجال البادية يتاجرون في الدخان حيث يحمل كل منهم شوال من الخيش او كيس من العبك وهو من بقايا المعونة التي كانت توزعها هيئة كير “أكياس دقيق صغيرة فئة ٢٥كيلو” وكل على قدر استطاعته ويأتون إلى سوق المحاسنة وهو السوق المعروف باسم عائلتي حيث هم المؤسسون لهذا السوق إذ يجلس الباعة القرفصاء “يقعمز” عصرا على رصيف الشارع المواجه لمحلات اخوتي قبل أن يوجد مسجد جمعية تحفيظ القرآن حيث كانت منطقة خلاء قد ينصب فيها بعض من الشبان خيمة ليبتاعوا البطيخ والشمام الاسمعلاوي في فصل الصيف… ويأتي أصحاب الكيف ليجلسوا أمام باعة الدخان وكل منهم يلف سيجارته من ورق البافرة ويشعل سيجارته بالقداحة الفضية التي تغوح منها رائحة البنزين…ويسحب نفسا عميقا ويتلوه أنفاس ثم يتمتم ” دخانك هاوي” اي بارد ويذهب إلى الاخر ويلف سيجارته ويتمتم “دخانك حامي” ويسأل دة جبلي ولا ارضي وهكذا تدور السيجالات إلى أن يرسو العطاء على أحدهم فيشتري منه اوقية او بعض اوقية …ونظرا لان المنطقة معروفة فقد كان رجال التهرب الجمركي ومعهم قوة انفاذ القانون يجوبون المناطق التي يتردد عليها الباعة فمن يبيع الملابس يلملم حاجته في ملاية ويغلقها في صرة ويحملها ويطلق قدميه للريح وكذلك باعة الدخان…ومن المواقف الطريفة التي ذهبت مثلا للتندر ..ان رجلا جلس أمام احد باعة الدخان القرفصاء كباقي الزبائن ليجرب الدخان ولكنه كان يسأل البائع اسئلة غريبة…انت من اي قبيلة؟ انت تشتري الدخان من احد المهربين ام انت الذي تقوم بالمهمة لتنتقي افضل الانواع؟ وهكذا فتسرب الشك إلى قلب البائع المسكين ولملم كيسه وهو يقول لصاحبنا”عساك نجيب” وفي قول اخر “كود انك نجيب”…ويقصد انت اكيد نجيب…وقد كان نجيب بدرجة صول ولكنه علامة مميزة بالنسبة للمهربين اذ يسمعون عنه وقد لايعرفونه ..ولكن لاشك انه كان يسبب رعبا لهم…وقد حمل صاحبنا كيسه على ظهره وفص ملح وداب…فقد كان ظنه في محله…..واشتهرت القصة