دكتور علاء رزق يكتب..توحيد الأداء وإعلاء البناء
د. علاء رزق
رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية
سعت إدارة الحوار الوطنى إلى تخصص جلسة عن “سبل دمج الاقتصاد غير الرسمي وتعزيز دور الاستثمار غير المباشر والترويج له” ضمن لجنة الاستثمار الخاص (المحلي والأجنبي) الخاصة بالمحور الاقتصادي للحوار الوطني،من أجل ضمان المشاركة والتواجد ضمن خطة التنمية العالمية لما بعد عام 2023، والتي تأتي متابعة للأهداف الإنمائية للألفية والتى تضم 17 هدفا و169 غاية.ويسعى الهدف 8 إلى “تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع.حيث إنه من المنتظر أن تزداد البطالة خلال السنوات الخمس المقبلة كنتيجة حتمية للأزمات التى يمر بها العالم حالياً ،لذا فمن المرجح أن يكون أكثر من 300 مليون شخص دون وظائف، وأن يقع المزيد منهم في شرك الوظائف الهشة وغير المستقرة- لذا فإن هذا الهدف يعكس شواغل الحكومات والشعوب في جميع أنحاء العالم ومنها مصر ، حيث يشمل الهدف 8 :تحقيق العمالة الكاملة والمنتجة وتوفير العمل اللائق ، أيضاً تقليص فجوة الأجور بين الجنسين وبطالة الشباب
إنهاء جميع أشكال عمل الأطفال وإضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي ، مع تشجيع المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم مع عدم إغفال حماية حقوق العمل وتعزيز بيئات عمل توفر السلامة والأمن، وهو ما تسعى اليه القيادة السياسية التى تسعى بكل جدية نحو تعزيز دور الإستثمار فى مصر والترويج له ،وهو ما تنبهت إليه إدارة الحوار الوطني عبر تخصيص جلسة عن سبل دمج الاقتصاد غير الرسمي ، وذلك لبلورة المقترحات والخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ ترفع لرئيس الجمهورية، ويعود السبب فى تخصيص هذه الجلسة إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يضم مهنا متنوعة، وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن حوالي ملياري عامل، أو أكثر من 60 في المائة من القوة العاملة للبالغين في العالم، يعملون في القطاع غير الرسمي – على الأقل بدوام جزئي. وفي المتوسط يمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مقابل 15% في الاقتصادات المتقدمة ، لذا فمن الصعب قياس الاقتصاد غير الرسمي بشكل دقيق، ذلك لأن الأنشطة الداخله لا يمكن مراقبتها بشكل مباشر، وفي معظم الأحيان، لا يريد المشاركون في الاقتصاد غير الرسمي أن يتم حسابهم وإخضاعهم للنظام الضريبى.لذا فإن دمج الاقتصاد غير الرسمى فى القطاع الرسمى أحد أهم أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى أطلقته الدولة المصرية، بغرض إعادة هيكلته بآليات تضمن القضاء على الظاهرة بشكل جذرى وتحقيق أهداف التنمية المستدامةوبما يتفق مع الاهداف الأممية للأمم المتحده المحددة ب 17 هدف إنمائي ،كذلك الاهداف الخاصة بإستراتيجية افريقيا عام 2063، وحيث يبلغ متوسط نســبة الاقتصاد غير الرسمى فى مصر حوالي 34,3% طبقاً لبعض الدراسات ،لكن دراسة آخرى أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية نهايــة عــام 2018 قــدرت حجــم الاقتصــاد غير الرسمى بنسبة ضخمة للغاية، بلغت نحو 60% من حجم الاقتصاد الرسمى.
وتقدر جهات حكومة ناتج الاقتصاد غير الرسمي بما يعـادل نحـو3,6 تريليـون جنيـهـ، والذى يستوعب نحـو 50% مـن قـوة العمـل البالغـة نحو 3.29 مليون فرد، كما يبلغ عدد وحداته الصغيرة والمتوسطة أكثر من أربعة أمثال عددها فى الاقتصاد الرسمى.لذا فإننا نرى أن الدولة المصرية يجب أن تكون حذرة عند نقد قطاع الإقتصاد غير الرسمي ،مع وقف الهجمات الإعلامية على قطاع الاقتصاد غير الرسمي، بدافع الرأي القائل أنه يعمل بشكل غير قانوني ويتهرب من الضرائب، لأن الهجوم ليس الحل، وبدلا من ذلك نرى أن السياسات التي تهدف إلى الإصلاحات وضمان الوصول العادل إلى التعليم للبنين والبنات، وزيادة فرص الحصول على التمويل، ووضع تدابير تحسن بيئة الأعمال والأنظمة الضريبية بما في ذلك سهولة التسجيل والدفع الإلكتروني للضرائب هو الأفضل والأكثر فاعلية فى هذه المرحلة بالذات. مع ضرورة السعي نحو دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمي من خلال حزمة من الإجراءات منها تقديم حوافز ضريبية وحوافز ائتمانية وتوفير التراخيص وتوفير أماكن لإقامة المشروعات وتقنين أوضاعها.مع تبنى المطالب بتجميع تلك الحرف وإدخالها للإقتصاد الرسمى، لأن قانون العمل لابد أن يشتمل على بعض الحوافز الخاصة لأصحاب اقتصاد الظل أو الإقتصاد غير الرسمى، مثل مظلة للتأمينات الإجتماعية، لأنه في خلال عامين أو ثلاثة يمكن سد عجز الموازنة العامة للدولة حال نجاحها فى هذا الملف تحديداً .
وبالتالى أصبح هناك ضرورة ملحة لوضع إستراتيجية واضحة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال الفترة القادمة، والإعتماد عليها كوسيلة من وسائل دعم الصادرات المصرية للخارج، وأن دعم تلك المشروعات بعمل قروض ميسرة للقائمين عليها بهدف تشجيعهم على الإندماج فى الإقتصاد الرسمى.وما يزيدنا إصرار على ذلك أنه لا يوجد حصر لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر وهو ما يجعل هذا القطاع غير خاضع بصورة مباشرة لهيئات تحصيل الضرائب، ومن ثم يضيع على الدولة مليارات الجنيهات قد تصل إلى أكثر من 600 – 800 مليار جنية سنوياً بسبب عدم حصر تلك المشروعات ودمجها فى الاقتصاد الرسمى ، وهو مبلغ كفيل بالفعل فى سد عجز الموازنة العامة للدولة والتى بلغت العام الماضي أكثر من 600 مليار ، ومتوقع هذا العام 800 مليار جنية .وبالتالى فلابد من تقديم حوافز لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحديد جهة واحدة لحصر وتسجيل تلك المشروعات، وزيادة المساندة التصديرية لها، حتى ينضج هذا القطاع بشكل يخدم الاقتصاد
خاصة وأن السياق الدولي قد تغير. وهناك علامات على حدوث تحول نحو تجمعات قوى متعددة الأقطاب وتجديدات في مؤسسات الحوكمة العالمية، مثل الدورالجديد لمجموعة العشرين بعد انضمام الاتحاد الافريقي لها بصورة دائمة ، فى جلسة المجموعة فى نيودلهي عاصمة الهند ، وكذلك الدور الجديد لبنك التنمية التابع لمجموعة البريكس فى ثوبها الجديد بعد انضمام مصر و خمس دول أخرى لهذا التجمع الأقوى عالمياً الآن. ولكن ستظل المطالب بأن المساعدة الإنمائية الرسمية ضرورية لبعض الدول النامية وبعض القطاعات، ولكن ما سيكون على نفس القدر من الأهمية والمطالبة ،هو تحسين التوجه الإنمائي للأطر الدولية للتجارة، والمالية، والإستثمار، والتكنولوجيا، والضرائب، والهجرة، والبيئة.وهو ما تطالب به مصر عبر نجاحها في الإشتراك فى المحافل الدولية ،حيث يحرص الرئيس السيسي على حمل هذه المطالب لمصر ونيابة عن القارة الإفريقية.لذلك فإن سعى الدولة المصرية إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي هو هدف رئيسي من أهداف الإصلاح الإقتصادي المنشود ، حيث تركز الدولة الآن على الاستفادة من خبرات وتجارب الدول ، بالإضافة إلى الإستفادة من التجارب السابقة فى هذا الشأن ،فمن تحليل سياسات الحكومة في ضم الاقتصاد غير الرسمي،خلال العقود الماضية نكتشف أنها كانت تسعى بشكل حثيث لحصد أكبر قدر من الضرائب والرسوم السنوية من النشاط الاقتصادي غير الرسمي دون تقديم أي خطط حقيقية لتحسين بيئة العمل لتلك الأنشطة. وهو ما يكشف أن الهدف الحقيقي من ضم الاقتصاد الموازي كان رفع حصيلة إيرادات الضرائب، لانه السبيل الوحيد لمواجهة عجز الموازنة .إلا أن سياسات الحكومة لضم الاقتصاد الموازي دفعت أصحابه للجوء لحيل جديدة للتهرب من السجلات الرسمية، وهو ما أفقد الحكومة إمكانية مضاعفة الحصيلة الضريبية حال تقديم خطط قادرة على جذب الأنشطة الإقتصادية غير الرسمية مقابل حصولها على إستفادة حقيقية. ما نؤكد عليه أن ضم الإقتصاد غير الرسمي للإقتصاد الرسمي يفيد في دخول إيراداته ضمن الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل مصر ذات إقتصاد أقوى وأكبر، وسوف يؤثر بالإيجاب على المؤشرات الاقتصادية، وتحقيق التوازن بين القطاعات كافة ، وإعلاء البناء المصرى التنموى الذى أثبت بحق أنه جدير بالثقة .