دكتور جمال زهران يكتب.. عروبة حرب أكتوبر 1973م
لعله من الصدف الملفتة للنظر، أن أول مقال علمي، نشر لي في مجلة “الموقف العربي”، عقب تخرجي من الجامعة، كان بعنوان: (حرب أكتوبر.. والتضامن العربي)، وكان له صدى طيب عند القراء والمهتمين، كما أنني اشتركت في مسابقة وزارة التعليم العالي عن حرب أكتوبر 1973م، وتداعياتها، واشتركت ببحث بعنوان: (دور التضامن العربي في انتصار أكتوبر العظيم)، وقد نلت جائزة المركز الأولى على كافة الجامعات المصرية، وحصلت على شهادة تقدير موقع عليها من وزير التعليم العالي آنذاك وكان: أ.د. محمد حافظ غانم، بالإضافة إلى مكافأة مالية، سلمت لنا في احتفال رسمي بحضور الوزير، في صيف عام 1974م. أما الأكثر دقة ووضوحًا، هو جهدي العلمي في إعداد رسالة الدكتوراة في العلوم السياسية، والتي نوقشت وأجيزت بمرتبة الشرف الأولى مع الطبع والتبادل، كانت بعنوان: (قياس قوة الدولة مع التطبيق على حربي 1967م، 1973م)، تحت إشراف أستاذي أ.د. علي الدين هلال، وبمشاركة أ.د. ودودة بدران. حيث ورد تحليل لحرب 1973م، على مستوى البيئة الإقليمية والدولية، وأشير هنا إلى ما ورد بهذه الرسالة التي ناقشتها لجنة راقية، بالإضافة إلى المشرفين، تكونت من أ.د. أحمد يوسف أحمد، و أ.د. علي نصار. وهو الأمر الذي يضفي على هذه الرسالة أهمية كبيرة، لما ورد فيها من معلومات هامة ودقيقة للغاية، وتعتبر مرجعًا مهمًا، فيما يتعلق بكافة البيانات الخاصة بحربي 1967، 1973م، من واقع مصادر عالية الدقة، ومن واقع أرشيفات سرية، ليس من حقي الكشف عنها، وقد سبق لي أن رديت، في هذا المكان، على الادعاءات ومحاولة التزييف والتهويل بشأن خسائر الأطراف المتصارعة في الحربين.
لكن النقطة الهامة، الواجب أن أشير إليها هنا، وأركز عليها، هي البيئة الإقليمية للطرف العربي الذي بادر بالحرب في السادس من أكتوبر 1973م، وهل كانت الحرب قاصرة على الأطراف المباشرة وهي مصر وسوريا، في مواجهة الكيان الصهيوني، أم كان هناك محيط عربي لهذا الانتصار الذي تحقق في هذه الحرب؟
فالأمر الذي لاشك فيه هو، أن حرب 1973م وما تحقق فيها من الطرف العربي من انتصار غير مسبوق في التاريخ الحديث، كانت بمثابة نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني الممتد من مايو 1948م، بلاشك. حيث لأول مرة يتحقق هذا الانتصار الحاسم لصالح مصر وسوريا، وفي إطار بيئة عربية شاملة وواضحة وبصورة علنية، دون تردد.
فالجبهة المصرية، كانت تضم وحدات عسكرية من السودان وليبيا، والجزائر والمغرب والسعودية، بعضها كانت مشاركة رمزية، ولكنها كانت جزءًا لا يتجزأ من الجيش المصري، وتعمل تحت القيادة المصرية العسكرية، وتخضع لنفس التدريبات.
كما أن الجبهة السورية: كانت تضم وحدات عسكرية كبيرة ومتميزة من العراق، وبعض الوحدات الرمزية من الجيش الأردني.
أما الدولتان (مصر وسوريا)، كانت تتلقى دعمًا ماليًا كبيرًا من دول الخليج والسعودية والعراق والجزائر وليبيا، وهذه الدعومات المالية ثابتة وموثقة. فضلاً عن تزويد ليبيا لمصر بالبترول، وكذلك الجزائر والسعودية. بالإضافة إلى تزويد العراق لسوريا بالبترول والسلاح. وهنا يذكر للجزائر في عهد هواري بومدين، أن قام بتمويل صفقة أسلحة (دبابات وعربات) تم التعاقد بشأنها مع موسكو، بعد بدء الحرب، لدعم الجبهة المصرية، بعد تزايد الخسائر في الدبابات على الجبهة، ووجود أزمة ثقة بين مصر والاتحاد السوفيتي، بعد طرد السادات للخبراء السوفييت من مصر في يوليو 1972م!! وقد وصلت صفقة الدبابات التي تجاوز عددها (700) دبابة، إلى مصر، وإن لم تستخدم في الحرب!!
فضلاً عن ذلك، فإن استخدام الدول النفطية للبترول كسلاح، سياسي للضغط على أوروبا واليابان وأمريكا، كان قرارًا فعالاً في دعم الطرفين المتقاتلين (مصر وسوريا)، ضد الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيًا، ولا ينسى هنا ذلك الجسر الجوي الأمريكي الضخم لدعم الكيان الصهيوني، بعد أن لاقى هزيمة مفجعة، خصوصًا في الأيام الأولى من الحرب، وحتى إعلان وقف إطلاق النار!!
وقد بدأ استخدام هذا السلاح، باقتراح جزائري، ومدعوم من ليبيا، والتقطه الشيخ زايد (الإمارات)، لتبنيه، ثم انضمت السعودية، واتخذ بذلك قرار عربي قوي من داخل منظمة البترول العربية (الأوابك)، وذلك بالتخفيض التدريجي حتى وقف الضخ.
وخلاصة القول في هذا المقال. أن كلاً من مصر وسوريا، كانت لهما المبادرة في إعلان حرب أكتوبر، والذي لم يعرف موعدها سوى ثلاثة أشخاص فقط (السادات – الأسد – عرفات)، ولم يسرب نهائيًا، إلا أن الانتصار كان عروبيًا، بمشاركة غالبية الدول العربية بما تمتلكه من إمكانات ضخمة، وكانت بمثابة معزوفة وسيمفونية، رائعة الإبداع فكرًا وواقعًا، ولعلها كانت مرحلة تضامن عربي حقيقي. ومن أسف فقد إنهار بعد ذلك، وللآن، بعد انفراد السادات بزيارته للكيان الصهيوني، وعقد اتفاقيات كامب ديفيد (77، 78، 1979م)، ولهذا حديث آخر.
د. جمال زهـران