الأديب مدحت ثروت يكتب..جبل من غرام
ظلت قامتي الطويلة اللافتة للأنظار محط اهتمام الحضور في البهو الضيق العابرين إلى المغارة بالجبل، تباينت الأسئلة الصامتة داخلهم…
كيف دخل هذا العملاق من الباب الحجري شديد الانخفاض؟ كيف سيمر معنا هذا المكان الضيق المنخفض؟ هل يوجد له عمود فقري مثلنا أم أنه من المرونة ما يمكنه من الانحناء كالاغصان الخضراء اللينة؟ أم تراه لاعب أكروبات ماهر يجيد الالتواء يمينا ويسارا ويجيد الانحناء للأمام والخلف كالحية؟
وبعض المتهكمين حدث صديقه أرى أنهما اثنين قصار القامة يحمل أحدهما الآخر…
صدى همهماتهم المسائلة وضحكات بعضهم المكتومة تدوي في جدران البهو الحجرية، لا أكترث لسماجة بعضهم ونظرات السخرية ولا حتى لنظرات الإعجاب؛ فالجو هنا حار جدا والأنفاس تكاد تختنق حيث لا هواء ولا أكسجين…
كيف كان يقضي الرهبان حياتهم في تلك الصحراء الجرداء عديمة الماء والهواء؟ سؤال ظل يلح علي وأنا أخطو خطواتي الثقيلة ونصف ظهري منحني للأمام أدوس بأقدامي على أحجار باردة خشنة تآكلت بفعل سير المترددين على المكان، وعيناي ترتفعان بصعوبة من شدة الانحناء أتأمل ما في هذا الجبل من الإغراء حتى يجذب هؤلاء لترك عالمهم الساحر الممتلئ بالأضواء الملونة والهواء وما لذ من الطعام والماء وصنوف المتع، ضاق البهو جدا حتى أصبحنا نمشي كل منا بجانبه فالحائط ضيق لا يمكن لأحد أن يسير بصدره ووجهه للأمام، لكن هناك على مقربة أرى نورا كأنه كوى بالسماء يشع منها نور ناصع البياض اشتم به روائح الهواء النقي، أسرعت إليه غير عابئ بقساوة الأرض تحت قدمي ولا سيرنا بطريقة جانبية، وغير مهتم بما يقولوه عن قامتي – سخريتهم وإعجابهم – بات لدى هدف وحيد هو أن أصل لنافذة النور ورائحة الهواء فقد كدت اختنق هنا…
وعلى حافة الحلم الأبيض كانت تقف تبتسم لي قائلة: ها أنا ذي أمامك قامتي ليست كقامتك ولم اسلم من الأذى، وها أنا قد سرت معك الضيق مثلك فلا ضيق يدوم ولا سخرية ولا رغد يدوم ولا مديح، مددت يدي لها أحملها بابتسامة غرام عاشقة وقد امتلأت روحي بحبها وقبل أن يبوح لها فمي باحت عيناي فبادرتني مبتسمة: فقط ثبت نظرك على من تحب عساه النور وانت كنت تحيا ميتا في الظلام.