دكتور عبير حلمي تكتب..حدود المعرفة
جلست ذات يوم في لحظة هدوء وتأمل مع صوت الموسيقى الحالم والإضاءة خافتة ؛ محيط وجودي بالمكان لم يسع قصر النظر . الرؤية والاستطلاع أكثر من حدود مكتبي داخل غرفة صغيرة بالبيت الواسع الكبير . وما حولي من دفاتر وكتب وأقلام ، و طال بي التأمل للجدران وما عليها من صور تحمل بعض الذكريات الجميلة ، وساعة حائط لا تفصلني عن الزمن إلا إذ توقفت فجأة . وباقي محتويات الغرفة بعض المقتنيات والأثاث والتحف على رفوف المكتبة العتيقة ميراث الأباء والأجداد ، وهنا سرح الخيال فيما هو أبعد من تلك الجدران وذلك المكان بأسره إلى العالم الخارجي وامتد الفكر لأبعد من ذلك وهو البعد الثالث للمكان سواء غرفة أو شقة أو عمارة أو حي، سرح الفكر في العالم وما به من أسرار سواء بالفضاء أو داخل الكرة الأرضية و أكتشفت إنني لا أستطيع معرفة ما من أخبار لمن هم حولي بعدة أمتار أو من يقطن بالغرفة المجاورة أو الشقة المجاورة من الأهل والجيران إلا عندما يرتفع الصوت ببعض الأحداث أو الكلمات والعبارات . وهنا تأملت في حدود المعرفة وكيف يصل لنا أخبار البعض ممنْ هم أقرب أو أبعد من حدود تلك الجدران وكيف يصل لنا اخبار قصص وحكايات وانتصارات أجدادنا الفراعنة كمثال وأيضا أخبار المعارك المختلفة سواء انتصار أو هزيمة أو كيف وصل إلينا معرفة مختلف الحضارات على مر العصور و كيف لي أن أعرف حتى أخبار أقرب الأقارب لو كان مسافرا بإحدى البلدان . وهل بالفعل حدود معرفتي فقط هو ذاك المكان( غرفة مكتبي ) ولا يمكنني معرفة ما هو أبعد بعدة أمتار وقد تحجبني الجدران عن الرؤية كاملاً خارج هذه الجدران إلا من خلال نافذة صغيرة تطل على حديقة جميلة وهنا فقط وضحت لي عظمة العلماء والاختراعات والتكنولوجيا من وسائل تواصل إجتماعي لتسجيل الأخبار والحوادث والتواصل مع منْ هم أبعد عني بالزمن و المسافات وأهمية تلك الوسائل الآن ، فقد أصبحت التكنولوجيا بوسائلها المتنوعة والمتعددة هي منظور الرؤية والمعرفة كما تأملت دور المؤرخين وأصحاب الفكر والقلم الرفيع في تسجيل الأحداث بمهارة فائقة تّخلد الأعمال وتنقل الأحداث والأخبار للأجيال القادمة ما صنعه هؤلاء العظماء من الرجال والنساء شرفاء عبر التاريخ من نجحوا في كل مكان و زمان وكم نحن في أهمية قصوى ليس فقط للتسجيل على جدان المعابد كما كان الحال ولكن السؤال كيف نصل نحن للآخرين الآن بدون هذا التطور التكنولوجي الذي فتح لنا آفاق المعرفة والمعلومات وما قد تصل من خلالها لمزيد من القدرات والاختراعات وبدونها إذ كان لنا حدود معرفة بسيطة و معلومات ضئيلة لا تتعدى حدود تلك الجدران ، وأهمية القراءة والكتابة وتسجيل التاريخ وإبداع الفنون بكافة الوسائل المرئية والمسموعة بكافة وسائل التعبير (سواء بالرسم ، النحت ، التصوير ، الكتابة والموسيقى أو التسجيل عبر برامج الإذاعة والتليفزيون وقنوات الإنترنت مفتوحة السموات) .
وقد وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين ونحن في عصر العولمة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وكافة الوسائل المتاحة ليصل لنا أمجاد الأجداد وتسجل أعمالنا للأجيال القادمة أيضاً ولا تتوقف حدود المعرفة ذات الغرفة غرفة المكتب كما كان في يوم من الأيام .وما أبعد الخيال إذا كانت بدون كتب أيضا ولا أعلم شيئا عما يدور حولي مما سبق أو آتي إن لم يكتب لنا هؤلاء العظماء وهنا تأملت عظمة المعرفة التي ميز الله بها الإنسان من فصاحة عقل وتفكير أوسع مما نتخيل باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التكنولوجيا الحديثة. وتأملت نحن لا نستطيع نعرف أي شيء عن جار لنا مثلا إلا إذا هو سمح بذلك عن طريق الفضفضة كمان كان الحال سابقا أو وسيلة من الوسائل المتاحة حاليا بعرض صور له على وسائل التواصل المختلفة باستخدام البرامج المتعددة ، أو كتب وسجل قصته عبر الشاشات والمكرفونات و أضعف الإيمان كان سيصل لنا الصوت عبر الفضاء من نافذة غرفته أثناء الحديث وهنا نكون في لحظة تجسس كما يبدو الحال ولكن في الحقيقة جميع أشكال التجسس لا يمكن أن تصل لي شيء منها بدون إرادته والسماح منه بذلك فهو من أخبرنا حين ارتفع صوته وحين أنزل صورته أو قصته وحين كتب ذكرياته وحين وحين.
وللحديث بقية…