الاستاذ / محسن قلادة يكتب.. لا تنهض
ليست تلك عاداته عى الاطلاق فهو دائما يملأ المكان ضجيجاً وصخباً حتى اضطر الى إيقافه وبشده، ولكن هذه المرة دخل وجلس صامتاً مطرقاً بوجهه نحو الأرض فى وضعية تمثال الانسان المفكر ولكن تحوم حول منه طاقة سلبية شديدة القوة، ولأنى كنت أعرف السبب مسبقا ولأنى خاله الوحيد والمقرب والمحبب الى أمه فقد أخبرتني أنه تعرض لحالة شديدة من القهر، نتيجة لرفض صديقته وحبيبته وخطيبته الأستمرار معه بعد علاقة خطوبة استمرت لثلاث سنوات، ولمعرفتي بهذا اخترت الصمت حتي اللحظات التى ينظر فيها الى، وبالفعل تصنعت الانشغال بكتابة بعض ملاحظاتي على كتاب كنت أقراءه مؤخرا، ولكن لم ادعه يغيب عن طرف عيني، ولمحت قطرات متتابعة من الدموع تنسال من وجهه نحو الأرض ونشيج وبكاء صامت يهز كل كيانه، فقررت عدم الأقتراب منه حتي لا تزيد الأمور صعوبة، وبالفعل بعد أن أنهي معظم انفعالاته، وبدأ يدرك أين هو بدأ فى رفع وجهه نحوى، وكل ملامحه مجرد سؤال أو علامة استفهام كبيرة.
ولأني أعرفه كما أعرف نفسي بنسبة كبيرة ولأنه تربي بين أحضاني وبين جدران أفكارى وأرائى، فقلت له مباشرة هذا السؤال بالتحديد ليس له عندي إجابة، فنظر مندهشاً ووجه كلامه الى، وهل تعرف ما سؤالى فقلت له أظن أنك تسأل لماذا أنا ؟ فأتسعت عينيه من الدهشة، فقلت له لا توجد أجابة فكثير من أسئلة الحياة ليست لها أجابة، وهذا أحداها مهما كنت تعرف مهما كنت متعمقاً ولديك فلسفة لفهم حياتك، هناك أسئلة لا أجابة لها، فنظر مندهشاً وقال أذا لا معني لهذه الحياة المبنية على الغموض والجهل، وأخذت الكلمات السلبية الناكرة لمعني الحياة تتدفق منه كطلقات المدفع، وأنا مصغي بانتباه شديد وتركته حتى ينتهي، وبالفعل بعد أن أفرغ كلماته هب واقفاً أراد الرحيل.
فنظرت إليه بكل هدؤ،وقلت له لاتنهض، فقال لي أنه لا يستطيع المكوث أكثر من هذا وأنه يرغب فى الرحيل، فقلت له أني لا أعني أن تذهب أو لاتذهب.
ولكني أخبرك أن لا تنهض مما أخترت أن تكون فيه ففي الحقيقة أنت غير مهم، ولست محور هذا الكون نعم.
لذا أنا اخبرك أن لا تنهض وتستمر فى العيش بلا معني وبلا هدف.
لا تنهض بسبب تخلي الآخر عنك أوحتى بدون سبب.
لا تنهض سوف يعجبك المكوث فى القاع وستعتاد على رائحة المخلفات وستتلذذ بآكل الجيف والأطعمة الفاسدة.
فلا تنهض لأنك لست عزيزاً فى عيني نفسك لكنك تستمد وجودك من آخر تركك وقرر أنك لاتستحق لذا أنت اقتنعت تماماً أنك لا تستحق واختزلت وجودك فى عيون الآخر.
لا تنهض ستجد بالقاع الذى أنت فيه ملايين من الآخرين الذين استمتعوا بالظلام والبقاء فى المياه الآسنة.
لا تنهض وتكون مثل صناع الحياة الذين يعرفون أن وجودهم مرتبط بهم هم فقط ولا يستمدونه من شخص أو شئ.
لا تنهض لأنك تظن أن نهوضك سيعطيك الفرصة للانتقام من الآخر أذا كان هذا ما تظنه أقسم لك أنك لن تنهض وأن كنت تظن ذلك.
لا تنهض لآنك لن تستطيع أن ترى الأيادي المحبة التى تحاول أن تمتد لك فى ظلامك.
فأنت حر تماماً فى النهوض أو عدم النهوض.
وعندما أنهيت كلامي نهض بالفعل وظننته سوف يغادر فأذ به يلقي بكل كيانه فى أحضاني وبكينا سوياً.