الكاتبة نزهة الإدريسي تكتب.. الحمّامات الشعبية في المدن العربية.. هل بدَّلت الحداثة أحوالها ؟
( احتلت الحمّامات الشعبية في البلدان العربية موقعاً هاماً، كأماكن للنظافة الشخصية والعناية بالجسد، إلى جانب كونها فضاءات اجتماعية يلتقي فيها الناس من مختلف الطبقات، فهل لا تزال حاضرة في وقتنا الراهن؟ وكيف تبدلت أحوالها؟)
كانت هذه مقدمة لحوار على إذاعة مونت كارلو الدولية في برنامج ” الآن غدا ” من تقديم الإعلامي طارق حمدان. نلت شرف المشاركة به ، الى جانب نخبة من الكتاب و الباحثين والمتخصصين في إدارة حمامات شعبية تاريخية. وقد ابان الحوار عن جهل تام بقيمة وأدوار هذه الحمامات الشعبية. والتي اعتقد البعض انها كانت موجودة بسبب انعدام المرافق التي يصلح فيها الاستحمام داخل البيوت و لندرة المياه وصعوبة تسخينها. ولما انتشرت الحمامات العصرية داخل البيوت لم يعد لهذه الحمامات الشعبية اية ضرورة. وهذا رأي خاطئ. لان الحمامات الشعبية هي الان بمثابة صالونات التجميل التي لا غنى عنها كما ان الحمامات الشعبية ليس هدفها النظافة فقط بل التجميل والاسترخاء. هي أيضا بمثابة نوادي يجتمع فيها الناس لأغراض اجتماعية متعددة وتجارية كذلك.. كما كان دورها منذ نشأتها.
والآن تعود بقوة بعد ان عرف قيمتها محبي التجميل والنظافة والاسترخاء الطبيعي. وقد كان للحمام المغربي الريادة في هذآ المجال وبعثها من جديد بعدد من الاقطار العربية والعالمية أيضا.
الحمامات الشعبية او العامة عرفتها كل الشعوب والحضارات القديمة. ومنها المصرية أو الفرعونية لكنها اقتصرت على الأخص بالملوك و علية القوم والتي رصدوا لها امكانيات ضخمة من التقنيات والمواد الطبيعية وطرق البناء التي توفر عملية التسخين و قنوات لتصريف المياه العادمة، كما الأعشاب والزيوت التي تحقق النظافة المثالية والجمال. الا أن هذه الحمامات ولكلفتها العالية لم تجد لها حاضنة شعبية تمكنها من الإستمرار. الى ان جاء العصر الفاطمي ومع تشييد قاهرة المعز. بنيت فيها حمامات كثيرة على شاكلة الحمام المغربي. لكنها ظلت نخبوية أكثر يختص بها البلاط السلطاني بحيث بدأت بالاندثار مع تفكك الدولة الفاطمية. لتتعرض هذه الحمامات للإهمال والهدم إلا من رحم ربك ومنها او أهمها ” حمام الملاطيلي ” بالقاهرة القديمة. والذي أضحى من التراث الشعبي ، وبفضل هذه الصفة انتقل لحضانة الشعب ليكتب له الإستمرار.
وسوف يبقى على عاتق المختصين في التاريخ والحضارة والمهتمين بالتراث الإنساني بمصر على الخصوص أن ينفضوا الغبار عن الحمامات الفرعونية القديمة وبعثها من جديد في ظل التحول الكبير الذي يعرفه العالم والخاص بمنظومة الجمال التي بدأت تتجه نحو الطبيعة.
فالحمام الفرعوني القديم يمتلك الكثير من أسرار النظافة والجمال كما لم تعرفه اية حضارة قبله ولا بعده، ناهيك عن جماليته و قربه من الطبيعة وحفاظه على الإنسان والبيئة.
بقلم نزهة الإدريسي