كريستين عادل يني تكتب نجم بين كواكب المشرق
ليس من قبيل الصدفة أن نرى مصرَ عروسًا متألقة في ثوبها الأبيض، وليس من قبيل الصدفة أن نرى نجمها ساطعًا في سماء البهجة والفرحة والاحتفالات بين جيرانها كواكب المشرق دائمًا. هي “عروس النيل السمراء” التي غنى لها السيد “محمد ثروت”، وهي “تاج العلاء” في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي التي غنت لها سيدة الشرق العظيمة “أم كلثوم”. نجمة تتألق ليس فقط في سماء الليل، بل وأيضًا في سماء النهار ليحتفل بها العالم أجمع يوم السابع من عشرين من سبتمبر من كل عام وأيضًا في هذا العام 2022 م. ليس من قبيل الصدفة أيضا أن يتزامن هذا التاريخ مع يوم ذكرى فك رموز حجر رشيد من قبل جان فرنسوا شامبليون لرموز اللغة الهيروغليفية.
لقد كانت فرصة عظيمة أيضًا لوزارة السياحة والآثار المصرية لتنتهزها في التنمية السياحية وخلق فرص العمل، فنظمت لزيارة 30 سفيراً من سفرا الدول الأجنبية في مصر إلى مدينة شرم الشيخ بصحبة وزراء السياحة والآثار، والطيران المدني والبيئة، والدولة والإعلام لكي تجمع بين السياحة الثقافية والبيئية والشاطئية والترفيهية. فقد وصل عدد السياح الدوليين في بداية عام 2022 إلى ضعف المستوى الذي سُجّل في عام 2021.
جدير بالذكر أن يوم السياحة العالمي، منذ عام 1980،تحتفل به منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة كاحتفالات دولية في 27 سبتمبر، وتم اختيار هذا التاريخ في ذلك اليوم من عام 1970، حيث تم اعتماد النظام الأساسي لمنظمة السياحة العالمية.
وقد احتفلت محافظة الأقصر في نفس هذا اليوم بالسائحين بالورود والهدايا التذكارية والمزمار البلدي وفرق الفنون الشعبية، بمناسبة احتفال المحافظة بيوم السياحة العالمي الذي يقام هذا العام تحت شعار ” مليار سائح ..مليار فرصة”. وقد كان إعجاب السائحين عظيما جداً بأنغام الموسيقى الشعبية، والتقطوا صورا تذكارية.
فلماذا كان هذا التزامن بالذات مع يوم فك رموز حجر رشيد؟
ذلك يرجع إلى مدى أهمية وقيمة هذا الحجر العظيم الذي هو أصل الحضارة المصرية الفرعونية، فقد أخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى فيما بعد.
كيف تم إكتشاف حجر رشيد؟
تم إكتشافهِ يوم 19 يوليو من عام 1799م، من قبل الضابط الفرنسى بيير فرانسوا بوشار، أثناء تواجد الحملة الفرنسية في مدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل فى البحر المتوسط في مصر بقيادة نابليون بونابرت.
مكان حجر رشيد:
نجده حاليًّا في المتحف البريطاني، حيث تم الاستيلاء على الحجر بواسطة الاستعمار البريطاني بطريق غير قانوني بالقوة ودون وجه حق ووضعه كإهداء في المتحف البريطاني، منذ أن هزمت القوات البريطانية الفرنسيين في مصر عام 1801. وقد وصل الحجر إلى بريطانيا عام 1802م بمقتضى اتفاقية العريش التي أُبرمت بين إنجلترا وفرنسا بقيادة القائدين “نيلسون” و”مينو”.
وبعد نقل الحجر إلى القاهرة أمر “نابليون بونابرت” قائد الحملة الفرنسية بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص.
مواصفات حجر رشيد:
هو مُصنَّع من حجر الجرانوديوريت غير منتظم الشكل ارتفاعه 113 سم وعرضه 75 سم وسمكه 27,5 سم. وقد فُقدت أجزاء منه في أعلاه وأسفله.
إذ يتضمن مرسوماً من الكهنة المجتمعين في مدينة منف (ميت رهينة-مركز البدرشين–محافظة الجيزة) يشكرون فيه الملك بطليموس الخامس (إبيفانس 204 ق.م – 180 ق.م) حوالي عام 196 ق.م، لقيامه بإعفاء المعابد من دفع بعض الرسوم.
هل كانت الكتابات واحدة أم عدة كتابات؟
نجد المرسوم على حجر رشيد مسجلاً بخطوط ثلاثة هي حسب ترتيب كتاباتها من أعلى إلى أسفل وهي :الخط الهيروغليفي، والخط الديموطيقي، والخط اليوناني.
إذ فقدت جزءًا أكبر من الخط الهيروغليفي وجزءًا بسيطًا من النص اليوناني.
وقد كان الخط الهيروغليفي هو الخط الرسمي، وخط الحياة اليومية السائد هو الخط الديموطيقي، بينما كان الخط اليوناني هو الخط الذي يكتب به البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر.
من هنا توصلنا إلى أن “اللغة الهيروغليفية” كانت لغة الكهنة فى ذلك الوقت ، وان “اللغة الديموطيقية” هي لغة عامة الشعب. ولذلك تم الكتابة على الحجر بالثلاث لغات حتى يستطيع الملك وعامة الشعب قراءتها.
رحلة فك رموز حجر رشيد:
ورغم كل الجهود السابقة في فك رموز حجر رشيد إلا أن الفضل الأكبر يرجع للعالم الفرنسي “جان فرانسوا شامبليون” (1790-1832). فبدأ “شامبليون” في فك رموز هذا الحجر. ومن فك الرموز استطعنا معرفة كل المكتوب على جدران الآثار المصرية الكثيرة جدًا، والموجودة على الحجر أو في مخطوطات أو في مقابر، إلى آخره.. وقد قام “شامبليون” بفك رموزهِ منذ مائتي عام والذي حرص كثيرا على تفسيره مهتما بشدة بالخط الهيروغليفي ومعتمداً على خبرتهِ الطويلة في اللغة اليونانية. وقد توصَّل أخيراً إلى أن مفتاح هذه اللغات المصرية القديمة مع اللغة اليونانية هو اللغة القبطية، فعرف أن هناك كاهنًا قبطيًا يسمى أبونا “يوحنا الشفتشي” – نسبة إلى بلد- وٌجد مع أناسٌ من الذين عادوا بعد الحملة الفرنسية إلى فرنسا. فبدأ يُعرفهم اللغة القبطية، فكانت اللغة القبطية بمقارناتها بكلماتها مع اليوناني داعمًا كبيراً في فك رموز الحجر.
الخطوات الأولى في تفسير لغات حجر رشيد:
في بداية الأمر لم يكن فك رموز الحجر بالأمر اليسير، فما كان على شامبليون إلا أن يواجه عدة إفتراضات وهي:
– إما أن الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية) تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون أو أنها تمثل موضوعاً واحداً ولكنه كُتب بالخط الرسمي (الهيروغليفية)، وخط الحياة اليومية السائدة في هذه الفترة (الديموطيقية) ثم بلغة اليونانيين الذين كانوا يحكمون مصر.
– أو يتعلق ببنية اللغة المصرية هل تقوم على أبجدية أي مجموعة من الحروف كاللغات الحية مثلاً ؟ أم أنها كُتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف وحرفين أو ثلاثة أو ربما أكثر.
– أو هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة؟ وهل العلامات تصويرية أم صوتية؟ وما هي الأدوات التي استخدمها المصري لتحديد معنى المفردات؟ وهل استخدمت المخصصات والعلامات التفسيرية ؟!!…الخ
– هل هناك علاقة خطية بين الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية؟ وهل هناك من علاقة لغوية في مجال القواعد والصرف.. الخ؟ ثم هذه العلامات الأسطوانية في النص الهيروغليفي والتي تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية والتي عُرفت فيما بعد باسم الخرطوش. حيث ضمن حجر رشيد خرطوشاً واحداً تكرر ست مرات ضمن اسم الملك “بطلميوس” وهو الاسم الذي ورد على مسلة “فيلة” بالإضافة إلى اسم “كيلوباترا”.
وحينما أيقن “شامبليون” بأن الحروف الساكنة لأسماء الأعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التي كُتبت بها، مثلما في العربية، ولأن اللغة المصرية القديمة تخلو من حروف الحركة يأتِ الاختلاف في نطق السواكن، فقد جاءَت اللغة القبطية التي ظهرت فيها حروف الحركة لتُحسم الأمر بشكل كبير.
كيف تعرَّف شامبليون على القيمة الصوتية في لغات حجر رشيد؟
سجل “شامبليون” العلامات الواردة في خرطوش “بطلميوس” ورقمها وفعل نفس الشيء بالنسبة لخرطوش “كليوباترا” الوارد على مسلة فيلة نظراً لاشتراك الاسمين في القيمة الصوتية لبعض العلامات كالباء والتاء واللام. وسجل نفس الاسمين باليونانية ورقَّم كل حرف منها وقابل العلامة الأولى من اسم “بطلميوس” بالهيروغليفية وما يقابلها في اسمه باليونانية، وتمكن “شامبليون” من أن يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغليفية اعتمادًا على قيمتها الصوتية في اليونانية.
لماذا احتفلت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية؟
جديرٌ بالذكرِ أيضًا أن الكاتدرائية كانت من الأعلام الرئيسية التي احتفلت بهذا اليوم بمعهد الدراسات القبطية بمناسبة مرور 200 عام على حل رموز اللغة المصرية القديمة. إذ تضمن الحفل عرضًا مسرحيا وعرضًا لفريق الكورال، وعرضًا تقديميا عن حجر رشيد، إلى جانب كلمات لعدد من الحضور من بينهم كلمة باللغتين القبطية والعربية لنيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي وأنصنا والأشمونين ورئيس قسم اللغة القبطية بمعهد الدراسات القبطية وعميد المعهد الأستاذ الدكتور إسحق عجبان.
واستقبل قداسة البابا تواضروس الثاني في المقر البابوي بالقاهرة عددًا من السفراء الجدد الذين سوف يغادرون قريبًا لاستلام مهامهم سفراء لجمهورية مصر العربية في عدد من دول العالم.
ودار الحوار أثناء اللقاء حول تواجد الكنائس القبطية في الدول التي سيعملون فيها ونشاطاتها في خدمة المجتمعات التي تتواجد فيها، وأعرب قداسته عن أمنياته لهم جميعًا بالتوفيق في أداء مهامهم.
وتكلم عن مدى أهمية دور اللغة القبطية، لأن اللغة القبطية ليست لغة يُصلّى بها فقط. ولكنها أيضا كانت لغة لحياة أناس يعيشون بها ويتكلمون بها، ويبيعون ويشترون بها، ويلقون التحية بها على بعضهم البعض، ويعملون بها في الدواوين، ويتعاملون بها في القضايا حينما كانت هي اللغة السائدة في مصر. ومع دخول اللغة العربية بدأوا يكتبون كلمات اللغة العربية بحروف قبطية. ولكنَّ العكس هو الذي يحدث في هذه الأيام، حيث يُكتَب القبطي بالعربي.
وظلت مصر تتحدث القبطية حتى القرن العاشر الميلادي. وفي القرن العاشر الميلادي بدأ يوجد الإثنان معًا، القبطي والعربي، وبدأت اللغة القبطية تنكمش قليلًا إلى داخل الكنائس، والآن يُصلّى ويُسبح بها داخل الكنيسة الأرثوذكسية. اللغة القبطية هي لغة حياة، ولغة حضارة، فيها معاني الشعر، والأوزان .