د.حسين سيد حسن عبد الباقي ، يكتب.. الشمول المالي
يعد مصطلح “الشمول المالي” Financial Inclusion من أهم المصطلحات المرتبطة بتحقيق النمو الاقتصادي للدول، ويقصد به اتجاه البنوك بمختلف أنحاء العالم للوصول إلى فئات المجتمع التي لا يوجد لديها تعاملات بنكية، خاصة محدودي الدخل، عن طريق تقديم خدمات بنكية تتناسب مع احتياجاتهم.
ولقد ظهر مصطلح الشمول المالي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات مواكباً لبرامج الخصخصة والتقشف، وتخفيض موازنات الدول، والشمول المالي وفقاً لتعريف البنك الدولي يعني أن يكون لكل فرد أو مؤسسة القدرة على الوصول إلى أدوات ومنتجات مالية تعادل احتياجاتهم وقدراتهم المادية، بما يعني اتاحة الخدمات المالية مثل فتح الحسابات ، وخدمات الدفع والتحويل والتأمين والتمويل والائتمان، واصدار بطاقات الائتمان المتنوعة، وتقديم الخدمات المالية من خلال شبكة المعلومات الدولية والهواتف المحمولة، وغيرها من الخدمات المالية من خلال المؤسسات المالية الرسمية.
ويتيح الشمول المالي فرص مناسبة لجميع فئات المجتمع، سواء المؤسسات أو الأفراد، لإدارة أموالهم ومدخراتهم بشكل سليم وآمن، عن طريق توفير خدمات مالية مختلفة من خلال المؤسسات المالية الرسمية، بأسعار مناسبة للجميع، ويكون سهل الحصول عليها، بما يضمن عدم لجوء الأغلبية للوسائل غير الرسمية التي لا تخضع لأية رقابة وإشراف، والتي من الممكن أن تعرضهم لحالات نصب أو تفرض عليهم رسوماً مبالغاً فيها، ويرتكز الشمول المالي على الشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والخدمات المالية الرقمية ، وحماية المستهلك مالياً، والتثقيف والتوعية المالية.
وتنبع أهمية الشمول المالي من خلال دمج مشروعات القطاع غير الرسمي في القطاع الرسمي، بما يسمح بزيادة الإيرادات الضريبية، ويساهم الشمول المالي في دمج الفقراء في السوق من خلال الشركات متناهية الصغر، والمشروعات المنزلية وريادة الأعمال، وبالتالي يساهم الشمول المالي في تحسين الدخل الشهري للمصريين، وبالتالي يمكن لمصر أن تتعامل مع الشمول المالي كاستراتيجية هامة لمكافحة الفقر، كما تمكن زيادة المعلومات عن التعاملات المالية من تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة ، وذلك من خلال زيادة الإيرادات الضريبية، وتحسين كفاءة إدارة الدعم الموجه لمحدودي الدخل من المصريين. كما تكمن اهمية الشمول المالي بشكل عام في تحسين الوضع الاقتصادي لمصر بعد ادماج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.
ويساهم “الشمول المالي” في حماية المتعاملين مع البنوك بمختلف فئاتهم، عن طريق حصول العميل على معاملة عادلة وشفافة وعلى الخدمات والمنتجات المالية بكل سهولة وبتكلفة مناسبة، وتزويد العميل بكل المعلومات اللازمة في كل مراحل تعامله مع مقدمي الخدمات المالية، وتوفير خدمات استشارية إذا احتاج العميل، والاهتمام بشكاوى العملاء والتعامل معها بكل حيادية، بما يحمى العملاء من التعرض لحالات نصب أو استغلال من الجهات المالية غير الرسمية.
ويهدف الشمول المالي إلى تحويل الاقتصاد غير الرسمي إلى اقتصاد رسمي من أجل زيادة الناتج القومي المحلي، وتنمية المجتمع والاهتمام بالفئات المهمشة مثل الفقراء ومحدودي الدخل، والعناية بتمكين المرأة اقتصادياً، وهذه الفئات ستجد منتجات مالية مناسبة لاحتياجاتهم وظروفهم، وهو ما يؤدي لارتفاع مستوى المعيشة، وخفض معدلات الفقر، وتحقيق النمو الاقتصادي للأفراد والدولة، وجعل حياة المواطن اليومية أسهل ، ويساعده على إدارة المخاطر المالية، وتخفيف حدة الصدمات المتعلقة بحالات الطوارئ أو المرض والاصابة، من خلال توفير خدمات مالية متعددة مثل الادخار والائتمان والتأمين. كما يهدف الشمول المالي إلى تمكين المؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من الحصول على التمويل والاستثمار والنمو، وخلق المزيد من فرص العمل، وتخفيض تكلفة انتقال الأموال وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة.
ويحتاج تطبيق “الشمول المالي” توجه عام من الدولة للوصول إلى هذا الهدف، ويستلزم ذلك إجراء دراسات حول الخدمات المالية المتاحة فعلياً ومدى تناسبها مع احتياجات مختلف فئات المجتمع، كذلك الخدمات التي يجب تطبيقها مستقبلاً. وتعد البنوك المركزية للدول هي الداعم الرئيسي لتطبيق مبدأ “الشمول المالي”، عن طريق وضع قواعد وتشريعات لتيسير إجراءات المعاملات المصرفية بكافة أشكالها، والموافقة على إتاحة خدمات مالية مبسطة مثل استخدام الهاتف المحمول في عمليات الدفع الإلكترونية.
ويتمثل دور البنك المركزي المصري في تعزيز الشمول المالي من خلال وضع القواعد والتشريعات المنظمة للشمول المالي، ودراسة المعروض من الخدمات المالية وحجم الطلب على هذه الخدمات، وقياس الفجوة بين العرض والطلب، بالإضافة لنشر الثقافة المالية في المجتمع المصري، والمشاركة في التحالف الدولي للشمول المالي.
وتلعب البنوك دوراً هاماً في تحقيق مبدأ الشمول المالي، عن طريق جذب الفئات التي لا يوجد لديها تعاملات بنكية، وذلك من خلال ابتكار منتجات مالية جديدة تعتمد على الادخار والتأمين ووسائل الدفع وليس فقط على الإقراض والتمويل، وتخفيض الرسوم والعمولات غير المبررة المفروضة على العملاء والخدمات المالية غير المناسبة التي تتم مقابل قيام العملاء بدفع عمولات، كذلك مراعاة ظروف العملاء المتنوعة.
وأعتقد أنه يجب على مصر تبني برنامج تثقيفي وتعليمي ووضع استراتيجية وطنية موجهه لتعزيز مستويات التعليم والتدريب المالي المستمر للمواطن المصري، وضرورة مشاركة الجهات الحكومية والقطاع الخاص والأطراف ذات العلاقة بالتثقيف المالي للمواطنين المصريين، للمساهمة في تعزيز فكرة الشمول المالي، ومساعدة المواطنين المصريين على اتخاذ قرارات استثمارية صحيحة ومدروسة، مما يحقق الوصول إلى مجتمع مثقف مالياً، وتعزيز الوعي والمعرفة المالية لأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وتوفير كافة المعلومات المالية بشفافية كاملة للمتعاملين مع المؤسسات المالية، وإنشاء مكاتب صغيرة لتمويل المشاريع متناهية الصغر، وتطوير نظم الدفع، كذلك التوسع في تقديم الخدمات المالية الرقمية، عن طريق الدفع عبر الهاتف المحمول، وإنشاء قواعد بيانات شاملة تتضمن سجلات البيانات الائتمانية التاريخية للأفراد والشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وتوفير أفضل الممارسات الدولية في مجال الشمول المالي، والالتزام بمبادئ الحماية المالية للمصريين، لفهم حقوقهم ومسئولياتهم والوفاء بالتزاماتهم.