آراء حرة

د.نزهة الإدريسي تكتب.. الحبيب العسري وإشكالية الإعلام والتاريخ

 


قيل عن التاريخ انه : ( تاريخان، تاريخ ما يحكى وتاريخ ما قد حدث ) . ما يحكى هو ما تتناوله الألسن و الحكايات، وفي العصر الحديث ما تتناوله الصحافة والإعلام ، بما أنها تنقل ما يحكى في الشوارع والقاعات، والمنتديات الاجتماعية والسياسية وغيرها . كلمة وصورة، إلا أنها تبقى عاجزة عن نقل الحقيقة لاعتبارات وصعوبات كثيرة.ذاتية وموضوع. الأولى تتمثل بالخط الصحفي الذي تضعه كل وسيلة إعلامية لنفسها والذي يكبل نوعا ما حرية الصحفي ، كما الإرادة و الأهواء الشخصية لضمان المصالح الذاتية أو الفئوية وغيرها، اما الموضوعية فهي احترام القوانين التي تضعها الدولة و عدم الخروج عن خطها السياسي ونراعاة أمنها القومي وغيرها من الاعتبارات التي تجبر الصحافة على التضحية بالكثير من الشفافية .

هذه الأحداث التي تثيرها وتتناولها الصحافة، هي التي تصبح تاريخا ، وفي طياته تختبئ حقائقها التي يصعب كشفها…

في غمار هذه المعضلة انبرى الطالب والإعلامي الحبيب العسري، مدير إذاعة آكادير الجهوية. بكل جسارة ليخلق الحدث ويتصدى لهذه المفارقة والاشكالية ،في رسالته لنيل شهادة الدكتوراه والتي كانت تحت عنوان (العلاقات المغربية الإفريقية من خلال الإعلام ) تحت اشراف الدكتور عبد الله ستيتو أستاذ التاريخ في كلية الآداب جامعة ابن زهر بمدينة آكادير، الى جانب كل من الدكتور محمد بوزنكاط و الدكتور عبد الكريم مدون اساتذة التاريخ بنفس الكلية . ومحمد العلالي رئيسا وهو أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط.

كانت المناقشة حامية الوطيس، ابلى فيها الجميع بلاء حسنا… ، اجتهد اساتذة التاريخ في تلمس الحقائق التاريخية المؤكدة من خلال ما اورده الطالب في اطروحته من شهادات كتبت في الصحف و اوردها الإعلام مسجلين رغبتهم في الاستزادة من الوثائق الصحفية حتى تفي بمتطلبات البحث التاريخي والوصول للحقائق المؤكدة. بينما طلب أستاذ الإعلام الدكتور العلالي الاستزادة من القصاصات الإخبارية التي سجلت تاريخ العلاقات بين المغرب وأفريقيا…

لكن الجميع وقف عاجزا عن تحطيم هذه المعادلة و المقولة الثابتة : ( التاريخ تاريخان، تاريخ ما يحكى و تاريخ ما قد حدث )

الا أن الطالب الحبيب العسري استحق شهادة الدكتورة مع مرتبة الشرف، لما جاد به من وثائق وحقائق و تساؤلات أثارت جدلا كبيرا بين المشرفين على أطروحته، واستمرت الى الان خارج جنبات المكان بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير ليظل صداها يتردد .في فضاء الصحافة والإعلام ويظل السؤال ..

هل يمكن للصحافة والإعلام ان تتحد مع التاريخ وتنسج علاقة وفية قوية بين ما يحكى و ما قد حدث؟

ربما امكنها ذلك ان كسرت القيود التي تمنعها من الشفافية و كفت عن تحيزها وغموضها وخداعها كذلك، وتنعتق من القوانين التي تكبل حريتها حتى تلين للتاريخ وتكون جديرة بكتابته بكل صدق و شفافية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى