سميا دكالي تكتب.. أحلام مسلوبة (قصة قصيرة)
كانت تنام على عتبة أحد المتاجر المغلقة علّها ترتاح من كثرة التعب الذي لحق بها، بعد أن قطعت مسافات بين الشوارع تستعطف قلوب المارة راسمة ابتسامة على محياها، ربما يقتنون مناديلها الورقية. هذه أمنية الطفلة ذات العشر سنوات لم تكن تكتف بالتجوال في الشوارع والأزقة، بل كان ذلك يكلفها أحيانا الإسراع عند إشارة المرور حيث السيارات واقفة ربما قد تحظى بمن سيشتري منها علبة مناديل دون مساومتها.
وحين كان ينهكها العمل الشاق، تلجأ إلى البحث عن أحد الأركان المختبئة لتفترش رخام عتبة ما. تلقي بجسدها الذي لا تغطيه سوى أشباه ثياب. فتبدو كشبح طفلة أنهكها العوز، حتى أضحت كوردة ذبلت أوراقها لتفقد نضارتها. وهي نائمة لم تكن تدري بمن حولها، لكنها رغم ذلك تظل فطنة ومتمسكة ببضاعتها محتضنة إياها بين ذراعيها، وكلها خوف من يد متطفلة أن تسلبها كل ما تملكه. تسافر سارحة في عالم آخر مع أحلامها اللامنتهية التي تمنت لو كانت على أرض الواقع. لولا إحساسها بيد تجذبها لتوقظها فتطير كل أحلامها في الهواء. تتحسس بيدها على مناديلها لم تضع منها. لقد كان أخوها الذي يحمل بيده صندوقا لمسح الأحذية، يذكرها بأن تبيع كل ما لديها حتى لا توبخها أمهما. طبعا لم تكن هي الأم الحقيقة، لقد فتحت عينيها لتجدها، فقد قيل لها أن والدتها توفيت وهي رضيعة.
يسألها أخوها مستفسرا:
_ماذا عنك ألم تكملي بيع المناديل؟
تجيبه بتلعثم :
_بلى بعت بعضا منها
_ أختي أكملي عملك فلست مستعدا أن أسمع بكاءك وأنت بين يدي أمنا.
نهضت أُمْنية من مكانها مودعة أحلامها الوردية التي زارتها وهي نائمة على تلك العتبة، كم كانت سعيدة بمحفظتها على ظهرها ولباسها المدرسي باتجاه المدرسة. لقد كانت ستأخذ مقعدها في الصف الأمامي، وتبدأ في تلقي الحروف الأولى التي طالما حلمت بها، حتى الحلم منعها القدر من استكماله. حين أرسل لها أخوها، لن تلومه، تعلم أنه هو الآخر يعاني مثلها.
وهي في طريقها لفت نظرها باب المدرسة، وصوت التلاميذ يرددون ما يُتلى عليهم. هوت دمعة على خدها. أوقفت عبراتها صوت ينادي:
أنت بكم تبيعين علبة مناديل؟
أسرعت باتجاه السيارة الواقفة أمام إشارة المرور وقد مسحت دمعتها لتبتسم في وجه القدر غصبا عنها. ناولت السائق المناديل وهو بدوره أعطاها مقابل ذلك النقود تصفحتها بين يديها ساخرة منها. وهي تتمتم في قرارة نفسها قائلة: تلك القطع الجامدة التي لا إحساس لها هي من فرقت وقررت من له الحق في الحياة. حتى مابات مكان للإحساس بالغير.
تعلم أمنية أنها لو فتحت عينيها على تلك النقوذ وبحوزتها ما يغنيها عن العمل لما احتاجت إلى أن تشقي نفسها. ولما سُلِبَتْ منها أحلامها التي لا تعيشها سوى لحظات عند النوم فقط، لتتلاشى مع السراب ما أن تعود للوعي، لتظل تلك الأحلام مسلوبة منها مادام القدر لم يبتسم لها.
كاتبة مغربية