هدى عبده تكتب.. احترام الجسد
مأساة الإنسان أنه لا يوجد توازن بين نفسه وجسمه، فالحادثة التي تقطع ساقه لا تقطع رغبته في الجري.
والجراحة التي تستأصل غدته التناسلية لا تستأصل رغبته الجنسية.
وحينما يضعف بصره بالشيخوخة لا تضعف رغبته في الرؤية.
وعندما يضعف بدنه لا تموت شهوته وإنما العكس تسقط الأسنان وتزداد الرغبة في المضغ وتبدأ المهزلة.
ومن لم يؤدب شبابه لن يستطيع أن يؤدب شيخوخته ومن لم يتمرس على كبح نفسه صبيًا لن يقدر على ذلك كهلًا وسوف تتحول لذته فتصبح عين مهانته إذا طال به الأجل.
ولهذا نرى الله يطيل آجال بعض المسرفين ليكونوا مهزلة عصورهم وليصبحوا حكاية ونكتة تتندر بها الأجيال للإعتبار حينما يتحول الفجار والفساق والعتاة فيصبح الواحد منهم طفلًا يتبول على نفسه وكسيحًا يحبو ومعوقًا يفأفئ ويتهته، وتسقط أسنانه التي سبق أن نبتت بالألم فينخرها السوس لتقع مرة أخرى بالألم وتعود أطرافه التي درجت على مشاية فتدرج على عكازين.
ويتحول الوجيه الذي كان مقصودًا من الكل إلى عالة وشيئًا ثقيلًا وكومة من القمامة يتهرب منها الكل.
ثم لا يعود يزوره أحد ثم يموت
فلا يشيعه مخلوق …
ولا تبكيه عين …
ولا تفتقده أذن …
ولا يذكره إنسان وكأنه دابة نفقت في حفرة فذلك هو التنكيس الذي ذكره القرآن.
﴿وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا یَعۡقِلُونَ﴾ ( ٦٨ – يس ).
والسر في هذه المأساة أن النفس لا تشيخ ولا تهرم ولا تجري عليها طوارئ الزمان التي تجري على الجسد فهي من جوهر آخر.
فالسائق مايزال محتفظًا بجميع لياقاته وسيظل شابًا على الدوام وإن كانت العربة الشيفروليه الفاخرة قد صدأت آلاتها وأصابها التلف وعجزت عن الحركة ولم تعد للسائق حيلة سوى أن يسحبها.
وتلك هي حادثة الشيخوخة نفس مازالت بكامل رغباتها وشهواتها ولكن لا حيلة لها مع جسد مشلول لم يعد يطاوعها لا حيلة لها سوى أن تسحبه وتجره على كرسي متحرك.
يقول أهل الله في شطحاتهم الصوفية الجميلة إزالة التعلقات بعد فناء الآلات من المحالات.
فهم قد فهموا شيئًا أكثر من مجرد أن الأجسام آلات لتنفيذ رغبات النفس، بل هي أشبه بالسلالم يمكن أن يستخدمها صاحبها في الصعود أو في الهبوط
فالمعدة عضو أكل ولكنها أيضا عضو صيام إذا تسلقت عليها.
وبالمثل الجهاز التناسلي عضو جماع ولكنه أيضًا عضو عفة إذا حكمته بل إنه لا معنى للعفة بدون وجود نزوع شهواني للأعضاء تقابله بضبط إرادي من ناحية عقلك وتلك هي الفرصة التي أسموها إزالة التعلقات.
وسوف تضيع هذه الفرصة بالشيخوخة وانتهاء الأجل فلا أمل في إزالة التعلقات بعد فناء الآلات فذلك من المحالات .
وبذلك فهموا علاقة النفس بالجسد فهمًا جدليًا فالنفس تؤدب الجسد ولكن الجسد أيضًا يؤدب النفس وعملية الردع عملية متبادلة بين الاثنين.
الفرامل المادية مطلوبة لتربية الفرامل السلوكية والعكس صحيح والأجل محدود يمكن أن يكون عملية إنفاق وتبديد أو عملية بناء وتشييد