توب ستوري

الكاتبة المغربية / لطيفة ناجي تكتب.. عمر قيد الاعتقال


كم تؤلمني رؤيتك وأنت على حافة الإنتظار، مكسورة الخاطر، مهيضة الجناح. أفنيتِ عمرك وأنت تنتظرين وتأملين في حلم ورديٍّ يجعلك تبتسمين وفي أثواب السعادة ترفلين. كم مرَّ عليك من الزمن وأنت تنتظرين قدرا لم يسعفك يوما ولم يهدك باقة آمل أو حفنة سعادة؟ أذكر جيدا، أذكرُ أنكِ كنت طفلة جميلة المحيا، في عمر الزهور ولم تغنمي أبدا لحظات مرح أو لعب بين مع الصويحبات أو الأقران في المدرسة أو الحارة. جعلوك تكبرين قبل الأوان .ثم ذات ربيع ،صرتِ يافعة ، يورد الحياء خديك، وجدائل شعرك تثير النسائم فتُلاعبها، ولكنهم أرغموك على النضج قبل الفصل الجميل وقدِمَ من حيث لا تدرين، قاطفك. يكسب المال والجاه،ربما كان من الأعيان، مغرور في ثوب التباهي يختال، ذلك الغيور المحتال. من أول وهلة، بدأ الشرر من عينيه يتطاير وكله عزم على أن يملكك ولوحده، قرر أن يحجب العالم عن عينيك،أن تهبينه كل شيء سعى إليه ليروي رغبته الجامحة في التملك قسرا، فسرق حريتك، أجل، احتكرها وتحكم فيها :أودعك في رمس من زجاج شفاف، وضعه في برج عال، بعيدا عن الأنظار ، قفص  ترين من خلاله  العالم الخارجي، عن بعد، تنظرين إلى الدنيا الجميلة بطبيعتها الخلابة وأطيارها الصداحة، ومياهها المنسابة ،أينك ،أنت ، دون إحساس ولا متعة. أي سجن هذا الذي يعتقد سجانه بأنك سعيدة في ثوب الثراء الفاحش، وراء قضبان من الذهب الخالص . أوكلوك مسؤولية صعبة، أحرقوا دون شفقة، عودك الطري، فأمسيتِ مكلومة تداري جرحها الغائر بالصبر ودموع تنساب خلال النهار وقسطا من الليل. 

لكم تتعبني طيبتك وسذاجتك.! وكم يرهقني خضوعك وانكسارك! غابت إبتسامتك، ولم تنصتي للحياة وهي لكِ تغني، ولم ترقصي تحت وقع المطر وهو يتهاطل زخات أو وابلا من السماء، ولم تنعمي بهبات النسائم وهي تلاعب الأفنان، في الغابة خلال فصل الربيع، لا ولم تركضي وراء الأوراق اليابسة وهي تتطاير خوفا من غضب الرياح المزمجرة. 

ثوري ،يا أنتِ ،تمرّدي،أصرخي بأعلى صوتك وانفضي عنك غبار الإستكانة والذل. كوني كالنار الملتهبة ،كوني إعصارا له الرؤوس القاسية تنحني، كوني كابوسا يسرق النوم من المآقي وضجيجا يسد المسامع ويحرمها من السكون والهدوء. فالعمر، يا أنتِ يفرّ منك وبخضوعك لن تدركيه، مهما ركضت أو عدوتِ. سوف تهرمين قبل الأوانِ، تحت ثقل الهمّ الرابض بين ثناياك، وتتألمين بصمت المومياء، وتذبلين كوردة داستها الأقدام، لن يفيدك البكاء ولا الانتظار، وإلا فقولي سرا أو بالجهر : وداعا أيتها الحياة حتى وإن لم أتعرف، ذات يوم، عليك. وعذرا أيها العمر، جعلتك قيد الاعتقال. 

    كاتبة مغربية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى