سما سامي بغدادي تكتب.. المخيم وطن
كان الفجر في أول بزوغه حين نزلت من البيت تحمل حقيبة السفر متجه الى المطار , لم تكمل قهوتها الصباحيه من يد والدتها كانت على عجاله من أمرها ولم تتمنى أن يالمخيمصحو والدها عندخروجها من البيت , لانها قررت الرحيل بالرغم من إعتراضاته على إصرارها على السفر . وقد وافق على مضض أخيرا برحيلها واستسلم أمام إصرارها على قرارها , كانت لاتريد أن ترى عينيه وهو يؤنبها بنظرة عدم الرضا , كانت متجهه نحو هدف لطالما حلمت به , ودعت والدتها وعمدتها بالصليب كي يحفظها من كل شر, نزلت الى باب الدار واخترقت الحديقه المزروعه بالآس وورود الفل وتذكرت كيف كانت تساعد والدها في الحديقه ,تركت حقيبتها قليلا ومررت أصابعها على زهور الفل في الحديقه وابتلت أصابعها بالندى المغبش على متون الزهور , أحست برعشه نديه تداعب قلبها وكأن الورود لاتريد فراقها أيضاً , مررت أصابعها على وجهها وتنسمت عبير الفل وكأنها تتوضأ بعبير الورد , شهقت تنهيده وحملت حقيبتها وخرجت مسرعة ل ألا تتشبث بأذيال ٍ من الرحيق ودفئٍ للبيت في يوم تشريني بارد , دنيا فتاة مصريه في السادسه والعشرين من العمر, تعمل كمراسله لأحد القنوات المسيحيه وكانت تُعنى بالطائفه المسيحيه وتسجيل إنتهاكات أخوان المسلمين لها , وحوادث القتل والتهديد والتشريد من مناطقهم الاصليه , بعد أن حظت بعمل مثابر طوال سنتين , عرضت عليها إحد هيئات حقوق الانسان أن تنتمي لها وتعمل معها , وكان عملها في العراق على مخيمات النازحين هناك , حين وصلت دنيا الى العراق مع مجموعه من طاقم الاغاثه ,كانت تتخيل إن الخراب الذي حل في بلاد الرافدين ومدينة السلام أقل مما رأت فمهما نقلت قنوات التلفزه حجم المعاناة التي يعيشها النازحون لايمكن أن تتخيل مارأت من بشاعه والم , من تفرقت العوائل وحياتهم داخل المخيمات التي تفتقد لأبسط مقومات الحياة من مسكن آمن ودفئ بيت هجرته بكل ذكرياته وتأريخه , كانت تقوم بعملها وسط القنابل ووسط الطرق غير المؤمنه , وتوصل المؤن وتنقل الحال على شاشات التلفزه , حتى التقت به , شاب كانت قد سمعت عنه الحكايا من أصدقائها في حملة الاغاثه وعن شجاعته ونبله , إبراهيم شاب عراقي في الثلاثين من العمر بعد أن تخرج من الكلية لم يجد له عمل الا في أحد شركات الحمايه ومنها تعرف على طاقم من أحد الجمعيات لحقوق الانسان وبدأ بالعمل معهم , وبدأ بحملات لمساعدة النازحين في القرى التي يصعب الوصول اليها في مناطق القتال , كان يجمع المؤن في شاحنات كي يوصله الى تلك العوائل , يخترق خطوط النار كي يصل الى عوائل محاصره مع قوه عسكريه أما بتخليصها من الحصار اوبأيصال المؤن لها حتى يتم إخلاءها أوتأمينها , كانت ترقب حركته بشغف وحماس بالغين ,حين رأها لأول مره كأنها إشراقة شمس تزفِرُ حرارةً وتوهجاً في دماء العروقِ في يقظة الصباح , تمشي متهاديه بشعرها الكستنائي وعينيها الواسعتين كبحر , لم يلتفت اليها خلال العمل لكنها بعد أن رجعا الى مكان آمن أرادت الحديث اليه كي تكتب عنه في تقرير , لم يسع هذا الشاب وسط هذه الاجواء ان يشعر بالحب , فعندما تكون الحياة هبه ثمنيه يكون الحب ككل مقومات الحياة أحد النعم التي تكون محجوبه عن الكثيرين , جمعتهما الاحاديث والصحبه والعمل وكانت تزداد إعجاباً به ويزداد رغبةً فيها وقرباً اليها , حتى وصلا الى مرحله كانا فيها عاشقين دون أدنى مسميات تفصلهما , لم يفكرا في إختلاف ديانتهما ولم يفكرا في معوقات كثيره قد تمنع إرتباطهما ,فلا يسع شخصين أن يحبا الا حين يكونا حرين من عنواينهما حينها يكون الحب لذات الحب لا لشيء أخر , في أحد المخيمات كانت دنيا ترصد الكثير كانت ترى الديانات على إختلافها والملل على كثرتها يجعهما ظلم واحد وهم إنساني واحد , ووجدت إن هذه الهموم الانسانيه جمعت الكثيرين على مائده واحده وقسمت بينهم عدد الاغطيه ووجمعتهم نار موقد واحده , يأكل المسيحي مع المسلم ويصادق الايزيدي الشيعي ويدنو السني من الشيعي , أنكرتنا الاوطان وجمعتنا الخيم وصارت وطن تحمل بين طياتها الحب والرأفه ونكران الذات والمسامحه للأخر , حين طلب ابراهيم من أهله أن يخطبوا له شابه مسيحيه من جنسيه أخرى رفضوا زواجه فهكذا تعودنا أن لانخالف المألوف دوماً, وحينما أرسلت دنيا الى والدها إن شاب عراقي مسلم ينوي خطبتها رفض زواجه منها رفضاً قاطعاً أيضاً, فقرر الشابان أن يتزوجا في المخيم وتحملا مسؤولية قرارهما دون رضى الاهل ، ونصبا خيمه بتجهيزات بسيطه, ووسط أبناء المخيم المختلفين في دياناتهم وارثهم الثقافي صار عرس دينا وابراهيم , أوقدوا يومها موقد وجمعوا كل المنكوبين والمظلومين والمغيبين والمهمشين كي يحظوا بلحظه من لحظات السعاده دون ذكر لمسمياتهم سوى انهم بشر من حقهم ان يحظوا بحياة ملئها السلام والحب والامان .