د.هويدا عبد المنعم تكتب..ملف سد النهضة من منظور القانون الدولي
يتعامل المجتمع الدولي مع مشاكل المياه عبر الأنهار المتشاطئة من منظور أنها الحروب القادمة، فقد أصبح بين العديد من الدول المتشاطئة على نهر واحد مثل دجلة والفرات ونهر النيل وغيرها من الأنهار نزاعات ومفاوضات من أجل الوصول إلى حل يحافظ على المصالح المشتركة فيما بينهم.
عزيزي القارئ قبل ظهور المعاهدات سواء كانت ثنائية أو ثلاثية كان يوجد ما يسمى بالعرف الدولي فيما يخص الأنهار الدولية، وهي قواعد تحترمها الدول رغم عدم كتابتها، وتؤكد على عدم انفراد أي دولة بإقامة مشروعات تضر بالدول الأخرى. إلا بعد التشاور والإخطار.
وبرغم من وجود العديد من المعاهدات بشأن دول حوض النيل. إلا أن أثيوبيا كانت وما ذالت تصدر مشاكل لدول المصب بالسعي نحو تحقيق تنمية تضر بهم وخاصة مصر والسودان.
وفي الآونة الأخيرة تصاعدت مشكلة سد النهضة دون مراعاة من دولة المنبع – أثيوبيا – بما تلحق به من ضرر بدولتي المصب – مصر والسودان – مما دفع القيادة المصرية الحكيمة إلى التحرك نحو المجتمع الدولي لتضعه أمام مسؤولياته للتوصل إلى حل يحقق النفع العام للجميع. لكن التعنت الأثيوبي يقف حائلاً دون الوصول إلى إنهاء الموقف والحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر والسودان من مياه نهر النيل، وقد بلغ التعنت الأثيوبي مداه حين بدء مجلس الأمن يستعد لنظر الأزمة. إذ بوزير الري الأثيوبي يكتب لنظيره المصري أنه يبدأ في المليء الثاني دون اكتراث للتداعيات السلبية لهذا الموقف الذي وصفة وزير الري المصري أنه إجراء غير شرعي احادي يضر بمصر والسودان ولا نوافق عليه بأي حال من الأحوال والكلمة لمجلس الأمن.
جدير بالذكر أنه في مارس عام 2015م تم إعلان المبادئ في الخرطوم، وتضمن عشرة مبادئ تحكم الأزمة القائمة بين مصر والسودان من ناحية وأثيوبيا من ناحية أخرى، وتم التوقيع على الاتفاقية، وهي نفس المبادئ المنصوص عليها في القانون الدولي والخاص بالأنهار الدولية. من ثم تحول هذا الاتفاق من قواعد عامة تسري على الجميع إلى قواعد خاصة تسري على مصر والسودان وأثيوبيا هذا من الجانب القانوني. أما الجانب الفني فلبناء السد مواصفات للعرض والارتفاع وكمية المياه المخزنة، وإذا لم تراعي أثيوبيا تلك المواصفات ستضرر بدول المصب مصر والسودان والسد نفسه، بالإضافة إلى أن المليء الأول والثاني مخالف لإعلان المبادئ.
ولقد تعاملت القيادة المصرية مع ملف سد النهضة باستخدام الخيار الدبلوماسي أولاً للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم لكلا الأطراف. كما قامت جامعة الدول العربية بدور هام في هذا الملف، وبعد أن توصلا إلى اتفاق إعلان المبادئ تخرج أثيوبيا على المجتمع الدولي بقرار احادي باستمرار المليء متحدية شركائها في النهر ومعارضة لقواعد القانون الدولي المنظمة للأنهار الدولية وإعلان المبادئ.
ونظرًا للتحدي والتعنت الأثيوبي قامت مصر بعرض ملف سد النهضة على مجلس الأمن لمرتين باعتباره المعني الرئيسي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق السلم والأمن الدوليين، وأنها قضية وجود وحياة واستقرار للمنطقة، فمصر تسعى لمصلحة القارة الأفريقية، وأيضًا جميع الدول المتشاطئة على الأنهار الدولية. حيث طالبت مصر مجلس الأمن بأن يقر بأن ما تتمسك به مصر هو في إطار القواعد الشرعية الدولية وقانون الأنهار الدولية، وأيضًا يتفق وإعلان المبادئ الذي يمثل التزام خاص وقعت عليه مصر والسودان وأثيوبيا.
وعلى الرغم من أن لمجلس الأمن إيجاد التسوية العادلة لإنهاء التهديد من خلال قرارات أو توصيات يصدرها أو إجراءات أو تدابير يتخذها كإجراءات مقاطعة اقتصادية أو دبلوماسية، وله الحق أيضًا بالتدخل العسكري إذا وصل التهديد بالسلم والأمن الدوليين إلى درجة كبيرة. إلا أنه أرجع الملف مرة ثانية إلى الاتحاد الأفريقي.
عزيزي القارئ أن عودة ملف سد النهضة للاتحاد الأفريقي لن يؤتي بثماره إلا إذا تم التوافق على أن هناك مصالح مشتركة بين دول حوض النيل في التنمية، وإذا لم نصل إلى حل فالمصر حق الدفاع الشرعي عن حقها في الوجود والحياة.
د. هويدا عبد المنعم
دكتور قانون دولي عام
مستشار أكاديمي قانوني مجموعة جاستس الدولية