دكتور فتوح خليل يكتب.. هل العربية هي اللغة الأولى في بلاد العرب؟!!!
بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية:
هل العربية هي اللغة الأولى في بلاد العرب؟!!!
مِمَّا يؤسف عليه أنَّ اللُّغة العربية ليست هي اللغة الأولى في بلاد العرب، إذ لا يُدَرَّس بها أيُّ علم من العلوم الطبيعية ، ولا تزال مشكلة تعريب العلوم الطبية مشكلة قائمة في بلداننا العربية، ولا نعلم أنَّ هناك بلدًا عربيًّا سعى إلى تعريب الطب إلا سوريا ـ أقال الله عثرتها- مع أنَّ أحدًا لا ينكر أنَّ العرب هم مخترعو الطب ـ يوم أن كان العرب عربًا ـ وقد أُخِذ ذلك العلم منَّا، ونحن أولى به، وبضاعتنا يجب أن ترد إلينا، لكن هذا القهر اللغوي غلبنا في كل شيء. ولك أن تنظر نظرة واحدة إلى بلاد المغرب العربي، حيث لا تزال في بعضها اللغةالفرنسية، هي اللغة السائدة بين أبنائها ، ولا يتكلمون العربية إلا بصعوبة.
ومن شرف العربية الذي لا نعرفه، أنْ جعل الله جل وعلا قرآنه بلسان عربي مبين، أثنى فيه على ذاته العلية ، وصفاته السرمدية ، لكن أهل العربية تركوها حتى رثت لحالها ، ولاتزال تشتكي إلى الله قومها، وسوء هجرهم لها، لكن من بيننا من يجد نفسه مدفوعاً محباً لعلوم اللغة العربية، فضلا عن أولئك الغُيُر الذين دافعوا عن تلك اللغة المشرفة ضد الحملات الجائرة ، من الأدباء والكُتَّاب، ورجال الوطنية المصرية،أمثال محمد المويلحي صاحب حديث عيسى بن هشام، فضلا عن تلك الجمعيات المكونة من أدباء مصر لنشر الفصحى، والذود عنها، ومقاومة اللغة العامية وطغيانها.
هذا، وقد أسهم الشعراء في هذه المعركة، فقال حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة عن اللغة العربية سنة 1903، مرددًا فيها شتى الحجج التي يدافع بها أنصار الفصحى، ومشيرًا إلى الحملات الشعواء عليها، وقد قالها على لسان اللغة الفصحى:
كما في نظم حافظ إبراهيم على لسان اللغة العربية والتي منها:
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي
وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني
عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي
رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني
وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني
أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً
وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً
فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ
يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ
بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً
يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ
لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ
حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً
مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً
فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ
ر إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى
لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً
مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ
بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى
وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ
مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
وليس معنى ذلك أن نهجر تعلم اللغات الأجنبية ، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والصيينية والأمريكية ، بل علينا أن نتعلمها ونتقنها ، ولكن ليس على حساب العربية . ورحم الله سعد زغلول عندما قال: “الحكومة لم تقرر التعليم باللغة الإنجليزية إلا ليتقوى التلاميذ فيها، ويمكنهم الاستفادة من المدنية الأوربية، ويفيدوا بلادهم، ويقدروا على الدخول في معترك الحياة، حياة العلم والعلم والعمل.
دكتور فتوح خليل عميد كلية الآداب جامعة سوهاج الأسبق أستاذ اللغة العربية عضو اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بالمجلس الأعلى للجامعات