آراء حرة

دكتور حسين سيد حسن عبد الباقي ، يكتب.. أزمة الاقتصاد غير الرسمي في مصر

 


     يقصد بالاقتصاد غير الرسمي Informal Economy ( الاقتصاد الموازي) الاقتصاد غير المدرج في الناتج المحلي والدخل القومي وغير الواقع تحت مظلة الدولة، وغير مسجل لدى أجهزة الدولة المصرية، فهو يمثل اقتصاد خفي غير مسجل رسمياً مثل الأعمال الحرفية البسيطة، وبعض أعمال المقاولات والصيانة والخدمات المتنوعة، وبعض مراكز الدروس الخصوصية، وبعض مراكز التدريب، وبعض الصناعات الصغيرة في بعض الأماكن النائية وتكون غير خاضعة لأي نوع من الرقابة وضبط الجودة، ومطابقة المواصفات، وتحقق دخولاً مرتفعة، والعديد من المحلات التجارية والمخازن والفروع غير المسجلة رسمياً، ولا تمسك حسابات ودفاتر منتظمة، وليس لديها تعاملات رسمية مع أي جهات حكومية.

    ويمثل الاقتصاد غير الرسمي كافة المعاملات التي تتم خارج إطار القانون، ولا يتم تسجيلها لدى جهات الدولة، ويقدر نصيب المعاملات الاقتصادية غير الرسمية من إجمالي الاقتصاد المصري بما يتراوح بين (50%) إلى (60٪ ) من الناتج المحلي الإجمالي لمصر طبقاً لتقديرات الدراسات في هذا المجال، وهي نسبة مرتفعة، وتعكس عدم توافر البيانات والمعلومات الكافية عن المعاملات الاقتصادية غير الرسمية في مصر، ولا يعد وضع مصر حالة استثنائية، ولكن تعاني أغلب الدول النامية من تفشي ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي. كما يمثل الاقتصاد غير الرسمي مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية والشركات والوظائف والعمال التي لا تخضع للتنظيم أو الرقابة من جانب الدولة، ويصعب قياس قيمة الاقتصاد غير الرسمي بشكل دقيق. 

    ويعرف صندوق النقد الدولي الاقتصاد غير الرسمي بأنه اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي، أو الاقتصاد الموازي، ويشمل كافة الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة ضريبياً، كما يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي يتم اخفائها من انتاج سلع وخدمات لوحدات اقتصادية مسجلة ضريبياً، سواء من المعاملات النقدية أو المعاملات التي تتم بنظام المقايضة، ولذلك فإن الاقتصاد غير الرسمي يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي تخضع للضريبة ولا تعلم بها مصلحة الضرائب المصرية. 

    وتتنوع صور الاقتصاد غير الرسمي الذى يعمل في إطار غير قانوني بعيداً عن أعين الدولة في مختلف القطاعات والخدمات، إذ يتم فيه التعامل بصورة نقدية دون أن تكون المعاملات مسجلة ضريبيا، وتتمثل صور الاقتصاد غير الرسمي الذى يضم مصانع بئر السلم والأسواق العشوائية، والعقارات غير المسجلة، والأعمال التجارية والخدمية والفروع والمخازن غير المسجلة رسمياً، والوظائف غير الرسمية، والتي لا تسدد حق الدولة في الضرائب التي توجه لتمويل الإنفاق العام للخدمات العامة المقدمة للمصريين.

    وتنتشر ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي في الدول النامية والفقيرة التي لا توجد فيها رقابة قوية للدولة على كافة الأنشطة الاقتصادية، وضعف نظم تكنولوجيا المعلومات، وغياب الشمول المالي والتحول الرقمي في معظم هذه الدول، ويبلغ حجم السوق الموازية أو ما يطلق عليها الاقتصاد غير الرسمي ( الخفي) في مصر أربعة تريليون جنيه، تعادل نحو ( 60% ) من حجم التعاملات السنوية للاقتصاد، وفقاً لأحدث التقديرات. ويساهم دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي في توفير حصيلة ضريبية تتراوح ما بين (200) إلى (300 ) مليار جنيه لصالح الخزانة العامة لمصر، كما يساعد على خفيض عجز الموازنة العامة للدولة بأكثر من ( 50 %).

   وتوجد العديد من النظريات التي تفسر ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي، ويعد من أهمها نظرية التهرب الضريبي، وتفترض هذه النظرية أن مجتمع الأعمال يسعى إلى تجنب سداد الضرائب من خلال التهرب الضريبي الكلي، وذلك بعدم التسجيل ضريبياً لدى مصلحة الضرائب، وعدم التعامل مع أية جهات رسمية، وتقوم نظرية التهرب الضريبي على العلاقة بين العائد والتكلفة، ويتمثل العائد في تجنب سداد الضرائب من جانب المتهربين ضريبياً، وبالتالي توفير قدر من السيولة لديهم يتم استخدامها في ممارسة الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، بينما تتمثل التكلفة في ظل نظرية التهرب الضريبي في مخاطر اكتشاف التهرب الضريبي ، والتي تتمثل في التعرض للعقوبات القانونية بكافة أنواعها ، سواء كانت عقوبة مالية أو عقوبة السجن.

    وتمثل الوظيفة غير الرسمية في وحدة اقتصادية غير رسمية وغير مسجلة ضريبياً مجموعة من المهام التي تتطلب الحصول على أجر معين، لا يسدد عنه الضريبة على المرتبات والأجور وما في حكمها، وتوجد العديد من العيوب للعمل في القطاع غير الرسمي أهمها غياب الأمان الوظيفي، وعدم وجود الحماية القانونية للعاملين، وغياب مزايا التأمينات على العاملين بكافة أنواعها، وتدني الأجور والمرتبات في الغالب في الوحدات الاقتصادية غير الرسمية، وبالتالي يصعب على العاملين في هذه الوحدات تحقيق أية مدخرات، بالإضافة لانعدام السلامة المهنية، وغياب النقابات العمالية، وطول ساعات العمل، وانخفاض مستوى التدريب.

    ويعتبر من أهم عيوب الاقتصاد غير الرسمي صعوبة قياسه، لعدم توافر البيانات والمعلومات بشأنه، وغياب التنظيم الرسمي، وضياع حقوق العاملين في الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، واهدار الحصيلة الضريبية،، وعدم تحقيق العدالة الضريبية بين المسجلين في الاقتصاد الرسمي وغير المسجلين في الاقتصاد غير الرسمي، لتحمل المسجلون في الاقتصاد الرسمي أعباء ضريبية، بينما غير المسجلون لا يتحملون أية أعباء ضريبية، وقد يؤدي تفشي ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي إلى فرض المزيد من الضرائب على المجتمع الضريبي الملتزم والمسجل رسمياً، وذلك لمواجهة انخفاض الإيرادات الضريبية للدولة. كما يعد من أهم عيوب الاقتصاد غير الرسمي نقص الصادرات المصرية من السلع والخدمات ، نتيجة لعدم تعامل هذا الاقتصاد غير الرسمي مع الجهات الحكومية الرسمية.

    وتتميز الوحدات الاقتصادية غير الرسمية بمجموعة من الخصائص أهمها عدم الاعتراف بالنظم القانونية، واستبعاد العاملين من نظم التأمينات الاجتماعية، والتهرب الضريبي الكلي، وعدم امكانية الحصول على القروض من البنوك، وانخفاض التدريب للعاملين بها، واستبعاد مبيعات هذه الوحدات من الاحصاءات الرسمية، وعدم تواجد الفصل بين الملكية والإدارة، ولا يوجد أي التزام تجاه الدولة، والاستخدام الكثيف للعمل، ولا تخضع السلع والخدمات التي تنتجها الوحدات الاقتصادية غير الرسمية لأية رقابة أو تنظيم من جانب الدولة، كما تتصف الوحدات الاقتصادية غير الرسمية بصغر حجمها. 

     وأعتقد أن أزمة الاقتصاد غير الرسمي في مصر تتمثل في العديد من الجوانب أهمها التأثير السلبي على الإيرادات الضريبية للدولة المصرية، وبالتالي انخفاض قدرة الدولة على تقديم الخدمات العامة للمصريين بالشكل الذي يحقق طموحاتهم، بالإضافة إلى التأثير السلبي على موازنة الدولة من خلال زيادة حدة عجز الموازنة العامة للدولة، والتأثير السلبي على الصادرات المصرية من السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض إيرادات مصر من العملات الأجنبية، كما تتمثل أزمة الاقتصاد غير الرسمي في مصر في إهدار مبدأ العدالة الضريبية بين المصريين، وعدم مساهمة كل مزاولي الأنشطة الاقتصادية والعاملين في تمويل النفقات العامة للدولة، ومساعدة محدودي الدخل، وتقديم الدعم لمستحقيه، كما يساهم الاقتصاد غير الرسمي في ضياع حقوق العاملين في الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية.

     ويجب على الحكومة المصرية الاسراع في تنفيذ إجراءات التحول الرقمي الكامل لكافة قطاعات الاقتصاد المصري، وتطبيق الشمول المالي في المجتمع المصري، والتعامل الكامل مع تكنولوجيا المعلومات، ونظم المعلومات الجغرافية، وتفعيل نظام الفاتورة الإلكترونية، وذلك لحصر الاقتصاد غير الرسمي وتسجيله ضريبياً، ويتطلب ذلك التنسيق والتعاون بين كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية وتبادل البيانات والمعلومات فيما بينها، لإنشاء قاعدة بيانات كاملة عن الاقتصاد غير الرسمي في مصر، وضمها لقاعدة بيانات الاقتصاد المصري الرسمي، بالإضافة إلى إعادة النظر في العقوبات المفروضة على التهرب الضريبي الكلي والجزئي بما يتواكب مع واقع الاقتصاد غير الرسمي في مصر، والظروف الراهنة التي تمر بها مصرنا الحبيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى