توب ستوري

الكاتبة/ شوقية عروق منصور تكتب . مسرحية مملة عنوانها أنا وهو (قصة قصيرة)


حشرني في زاوية الغرفة وأخذ يضربني بشدة فوق رأسي، طّوق يديه الحديدتين ثم أخذ ضغط بكلتا يديه على عنقي، أصبحت بين يديه خرقة قماش مبلولة بعرق الخوف والذعر، جسمي يرتعش وشراييني تقفز، تصرخ ، تنادي، لكن لساني الذي أصبح كقطعة خشب لم يعد يستجيب لفزعي ، لم أشعر إلا وأنا أركله بقدمي ، و يا لحظي لقد جاءت الرفسة على خصيتيه فشعر بألم حاد ووجع جعله يضع بسرعة يديه أسفل بطنه فكانت فرصتي للهرب . 

نظرت إلى الباب المغلق ، المفتاح في جيبه، تذكرت أن باب المطبخ الخلفي مفتوحاً ركضت بسرعة ، حاول اللحاق بي لكن الألم منعه .. هربت إلى بيت الجيران . 

صورة ضربي المتعمد و صراخي تتكرر أسبوعياً ، الجيران اعتادوا على فزعي وهربي ولجوئي إليهم ، اعتادوا على رؤيتي خائفة بشعري المبعثر ووجهي المذعور ودمائي النازفة .

 جلست على الأرض، فقامت الجارة ورفعتني وأجلستني على الكرسي ، ناولتني كأساً من ماء الحنفية ، لم تتنازل لتفتح الثلاجة وتناولني الماء البارد .. وشربت الماء الساخن .. نار فوق نار .. أحشائي مشتعلة قهراً وغضباً وأصب عليها ماءً ساخناً . 

أذكر أفراد عائلتي والأصدقاء يرقصون ويلفون حولي كالهنود الحمر يغنون وأنا أتلاشى وأغطس في رماد الذكريات . 

عندما تقدم طالباً يدي وافق والدي فوراً ، فأنا الأبنة الكبرى التي تتدحرج سنوات عمرها دون أن يتقدم لخطبتها رجل ، حتى أصبحت حجر عثرة أمام أخواتي الصغيرات كل رجل يتقدم لأختي التي تصغرني يقول أبي له : لن أزوج الصغرى قبل الكبرى..! حتى أصبحت العبء والاتهام بأنني السبب في عدم زواج شقيقاتي الأربعة .

أمي تنظر إلي كلعنة ، كحجر جاف ،أرى في عينيها شبحاً لامرأة تركض بلا هدف ، بلا قيمة ، لأن نظرات رجل لم تتسلق ملامحي ، ولم يُعجب في شخصيتي ، لم أسمع كلمة ترطب جو الخشونة الأنثوية التي تزحف على جلدي ، وفوق وجهي الكالح . 

وفجأة تقدم أحدهم لطلب يدي، سأل والدي عنه فقالوا له: شاب من عائلة متوسطة الحال عنده بيت لكنه يعاني من مرض نفساني وقد مكث سنوات طويلة في مستشفى الأمراض النفسية ، و حاول أهله إخراجه من المستشفى عدة مرات لأنهم كانوا يخجلون من وجوده وبقائه هذه المدة الطويلة، لكن إدارة المستشفى كانت ترفض بشدة لأنه يشكل خطراً على الذين يحيطون به . 

في إحدى المرات تمرد والده على المستشفى وقرر إخراجه على عاتقه، لكن عندما رأى الوالد كيف يتصرف أبنه في البيت قرر ارجاعه إلى المستشفى . 

ومضت الأيام وفي إحدى الزيارات أكد الطبيب المعالج للأب أن حالة أبنه النفسية أصبحت مستقرة نوعاً ما ويستطيع الخروج والاختلاط بالناس . 

ومع خروجه من المستشفى بدأت والدته تسعى لتزويجه..!! أليس الآن هو الرجل الكامل ؟ لماذا لا تصبح له زوجة وأطفال ؟؟ 

وبعد تفتيش وقع الاختيار عليّ ، أبي عرف كافة تفاصيل حالته النفسية لكن تجاوزها، هذه فرصة لزواج ابنته ، أمي رقصت طرباً ، أما أخوتي فقد طرن من الفرح وهمست شقيقتي الصغرى قائلة لي ” سد وانزاح “… !! لقد كنت الصخرة الصلبة على صدورهن والآن ستتحطم . 

أما أنا فقد كنت في حيرة وتردد محاط بأشواك الحذر، كانت أحلامي كبيرة ، زوج يحبني وأحبه، مهذب ، متعلم ، أخلاقه عالية ، مثقف أستطيع أن أرفع رأسي به وأغيظ كل من نال مني وغمز ولمز عليّ ، لكن الأحلام الآن تبخرت ، خرجت من كهف الحرمان لتسير في طرقات المرأة التي عليها أن تخضع ..!! هل عليّ أن أتزوج رجلاً ” مجنونا” خارجاً من مستشفى الأمراض النفسية ؟؟ 

وسقطت في شباك نظرات أبي ولهفة أمي وفرح أخواتي، كيف أرفض وأنا أرى العيون حولي تحدق في مسامات جلدي التي فتحت وتريد أن تلقي بنزيف أنوثتها المذبوحة على فضاء الاختيار، أرى رضوخي ينحني ليصل إلى حالة من الذوبان في كأس الخوف من المستقبل، وتنازلت . .أنا امرأة متكاملة تستطيع أن تفتح بيتاً وتنشأ أسرة، ولا بد أن أخضع لهمسات عماتي حين رددن أمامي ” ريحة الجوز ولا عدمه ” و” ظل راجل ولا ظل حيطه ” ووافقت وتم الزواج . 

في البداية كان الرجل الطيب، جعلني ملكة أنا المسؤولة عن مصاريف البيت وصاحبة القرار ، كان يتجاوب معي دائماً ، حتى أن أهلي كانوا يلقبونه ” خاتم سليمان شبيك لبيك” صديقاتي قلن لي هذا الزوج المطلوب ، لكن أنا كنت أريد ذلك الزوج الذي يقرر وأنا أنفذ، لا أريد أن أكون الحاكمة الآمرة . 

وتحققت الأمنية .. لم أعد أنا الآمرة الناهية لقد بدأ يتغير أولاً بتكسير الصحون وأدوات المطبخ وتكسير الأبواب ثم بضربي ، ذهبت إلى بيت أهلي ، فقام والدي بإرجاعي وهمست أمي في أذني ” عيب تطلعي من دارك.. المرا بتطلع من بيتها للقبر ..!! ” . 

أصبحت اذوق طعم المرارة والتكسير والشتائم، الطبيب المعالج قال لي عليك أن تتحملي لأن الدواء الذي يتناوله لم يعد له فاعليه ، وحالته لا علاج لها . 

اهله يقولون لي تحملي فهو زوجك وحظك ونصيبك، و اهلي يقولون هذا بيتك يجب ان تموتي فيه ولا تخرجي منه..!! اما انا فقد أصبحت أعيش بين اللحظة واللحظة خائفة على حياتي، أصبحت اتحاشى النظر اليه والنوم بقربه . 

أنا الآن ريشة في مهب الريح تتقاذفني تقاليد المجتمع وعادته الفاسدة..!! هذا الرضوخ الذي كبلني بسلاسل حتى احافظ على شرنقة الزواج من التفسخ، الشرنقة التي مزقها زوجي بمرضه النفسي، لقد طلبت مني عائلته أن أكون ممرضته ووافقت بارادتي ..!!

ان فصول مسرحية انا وهو بكل ثقل الضربات و الدموع و الهروب، بكل الغربة التي تنخر عظامي ، نحن ازواج فوق الورق وفي ملفات المحكم الشرعية ..!! لكن في الواقع هو أعداء يتربص بي، وأنا أحاول الاختباء خلف قشة هاربة ، اهل زوجي يصرخون بوجهي ” لن يذهب ابنهم الى المستشفى” علي ان اتحمل حتى يشفى من مرضه أو يبعث الله معجزة..!! 

 اهلي يقولون لي لا تخرجي من بيتك والأفضل خروجك ميتة من خروجك مطلقة، لأن لقب مطلقة سينعكس على حياة شقيقاتك . 

جالسة الآن أمام الجارة التي كانت تنظر إلي بهدوء كأنها تشاهد فلماً سينمائياً مملاً ..!!

نظرت إليها ، ثم وقفت ورجعت إلى البيت من الباب المطبخ الخلفي، لم تحاول الجارة إبقائي، لأنها تعرف أن في النهاية سأرجع . 

الآن .. لا أحد في البيت ، بعد ساعة أو أكثر سيرجع إلى البيت كأن شيئاً لم يكن ، ولا أعرف متى سيبدأ الضرب والتكسير ، إنها لحظات .. أنتظرها لتعود أسطوانة الضرب والهروب . 

كاتبة فلسطينية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى