كريستين عادل يني تكتب.. تــــعبٌ مُـــفرِح
يمكن للمرء أن يبذل كل حياتهُ راكضًا وراء أنواعٍ كثيرة
من التعب، ويجد نفسهُ راضيًا عن كلِ تعبٍ بذله في مراحل عمرهِ المختلفة. وإنسانٌ
آخر، يكتشف أنه غيرُ سعيدٌ عن التعب الذي بذله بعد مضيّ عمرًا طويلًا. وذلك بالرغمِ
من أنه كان راضيًا عن التعب الذي بذله في بداية الأمر. فما هو التعب إذن؟ التعب
هو المجهود الذي يبذله الإنسان في أي عملٍ يقومُ بهِ أو أية علاقة يمر بها بغض
النظر عن نوع هذا العمل أو نوع هذه العلاقة. وللتعبِ أنواع، كما أن
للتعبِ درجات. ونتيجة كلُ تعب ترجع إلى صاحبها وما بذله من مجهود.
فتعب مَن يفعل الخير يختلفُ عن تعب مَن يفعل الشر. لأنك حينما تقدم خدمةٍ ما -أيًا كان نوع هذه الخدمة-
وبنية راضية، تشعر أن تعبك مُفرحاً، وتشعر بسعادة لا تُوصَف، هي سعادة العطاء دون
مقابل. والذي يسرق وينفذ خطة السرقة التي تعب فيها يظنُ انه سوف يفرح لُيجني ثمر
ما بذله من خطة السرقة ولكنه يكتشف أنه سيتم القبض عليه ولن يتمتع بما سرقهُ. فهذا
تعبُ مُحزن.
وتعب الرجل يختلف عن تعب المرأة. فللرجل أعمال ومهام يستطيع أن يتعب فيها تناسب طبيعة فكرهُ
وجسدهُ، وللمرأة أيضًا أعمال تستطيع أن تبذل جهدًا فيها بحكم طبيعتها الفسيولوجية
والعقلية والعاطفية التي خلقها بها الله سبحانه وتعالى. لكلٍ منهم مهامهِ وتعبهِ
الذي يُبدِع في أدائِه. والنتيجة هي ثمار ما يقدمونه من تعب.
كما تختلف طبيعة التعب والمجهود من شخصٍ إلى آخر. فتعب الطفل الذي يلعب ويلهو ويُكسِّر في دمياتهِ، هو تعب
غرضه الاكتشاف والتعرف على كل ما تصل إليهِ يدهِ. في الوقتِ ذاته تعب الطفل الصغير
الذي يذاكر دروسه، يختلف عن تعب الطفل الأكبر. كما يختلف عن تعب الشاب الذي يذاكر
دروسًا أكثر، ويختلف عن تعب الرجل في عملهِ، وعن تعب المُسِّن. لكلٍ منهم مجهوده الذي
يستطيع أن يبذله بحسب قدرات جسدهِ وسنهِ وعقلهِ، ولكلٍ منهم المهام التي أٌسندت إليهِ.
وتعب المٌضطَّر يختلف عن تعب الحُر الإرادة، فهناك أناسٌ مٌجبَرون على التعب في أشغالٍ لا تُريحهم
ولكنهم مضطرين على العمل بها ربما لعدم وجود غيرها، أو لأنهم مسئولين من التزامات
حياتية. أو هناك أشخاصًا مُضطرين للتعامل مع بعضها البعض بالرغم من عدم ارتياحهم
لبعض لأن ليس لهم خيارات أخرى، كالزوجين اللذان يقضيان العمر الطويل معًا دون
تفاهم أو حب ولكنهم مضطرين لذلك إما للحفاظ على كيان أسري خارجي أو للحفاظ على استقرار
أبنائهم…. وهكذا.
ولكلِ تعبٍ مرحلته فمثلا تعب الأم حينما تلد جنينها يختلف عن تعبها في رعايتهِ
وتربيته في جميع مراحل عمرهِ. وتعب الأب في تربية أبنائِه يختلف عن تعبهِ في إعطائهم
الارشادات والنصائح في مسيرة حياتهم وتقديم المساعدات المختلفة لهم.
ولذة التعب تأتِ من عمل مجهودٍ مُحبب على قلب الإنسان يَجني
من ورائهِ الثمر الذي يتمناه ومن ثمَّ الفرحة التي من القلب. فتعب الناس في بذل الحب أو احتمال أخطاء بعضهم البعض، هو
تعبٌ مُفرح لأنه يعبر عن التمسك بالأشخاص، أو يعبر عن إعلان السلام حتى لو كانوا
غيرَ قريبين قرابة الود. والذي يدخل في مناقشةٍ حادة مع الآخر ويُرهق نفسه فيها،
يخرج بتعبٍ نفسي مؤلم لأنه أرهق أعصابه وفقد سلامه الداخلي. كما أن تعب العابد
الذي يحب إلهه من كل قلبهِ، هو تعبٌ مٌفرح ومثمر. وتعب الآباء في تربية أبنائهم
ورعايتهم هو تعب مُفرح جداً لهم بالرغم من المجهود الشاق الذي يبذلونه معهم طوال
الحياه.
وتعب مَن يشعر دائما بالتقدُّم والتقدير فيما يعملهُ تعبًا
مُبهجًا لا محاله. وتعب الدارس في أي دراسةٍ يحبها ويحقق فيها النجاح والتفوق هو
تعبٌ مٌبهِج، ولا تُقدَّر بهجتهُ بكلماتٍ قليلة. كما أن تعب الرياضي في الالتزام بالتمارين
والمواعيد وعدد الحصص التي يقضيها في سبيل بناء جسمهِ ومن ثمَّ الدخول في دورات
أوليمبية يحقق فيها درجات معينة هي مُشجعة جداً له وأيضًا مُفرحة….وهكذا.
في النهاية ليس كلُ تعب قرار شخصي من نبع إرادة الإنسان. ولكن حينما يكون التعب نابعًا من قراراتنا، علينا أن
نفكر كثيراً إلى أين يمضِ هذا التعب؟ هل إلى نهاية سعيدة أم نهاية مؤلمة؟ إذًا
دعونا نجرِ وراء كلُ تعبٍ مُفرِح.