سميا دكالي تكتب.. اكسير الحياة
وقع الكلمات على القلوب ما ارتبط يوما بحسن انتقائها والتصنع فيها، بل بصدقها وهي تخرج من قلب خالص يكتب ما يحس به، ليترجمه أحرفا دون تكلف ولا بلاغة، وقد تَحَرَّرَ من كل ما رسمته له الحياة المصطنعة من قيود، فاسْتَمَعَ لحديث نفسه واتّبَعَ فطرته واصفا الحدث الذي مر به وعايش مراحله خطوة خطوة. حينها ستكون عفويته تلك قد خطّت أجمل الكلمات الصادقة النافذة إلى القلوب العطشى لتحييها و تواسيها، كغيمة أتت على أرض قاحلة، فاهتزت بعد ارتوائها. لتعطي ثمارا تُشْبِعُ به نفوسا وتعيد للحياة بهجتها بعد يأس…
كذا قلب الانسان دوما في صراع مع نفسه. وكَمٌّ من الخواطر المتناحرة بداخله تأتيه كل يوم بحلة جديدة حسب نفسيته المتقلبة. لن يعرف الراحة حتى تتحرر من أغلالها التي ما انفكت تؤرقه كل حين عند صحوه و نومه، لتتمرد معلنة بذلك حريتها من داخل الذات. تشاطرها ذوات أخرى معاناتها أو أفراحها بحب متبادل، بعد أن تبين لها أنها هي الملاذ الذي ظلت تبحث عنه حين لمست الصّدق والصفاء فيه. وأن تلك الخواطر ما هي سوى نِتاج لِنَبْع خالص من قلب متدفق صادق.
فلا أجمل من ذلك مواساة، وجبر للخواطر بالحب دون مجاملة وتملق. حتى ندرك الهدف الأسمى من وجودنا في الحياة ونلخص معناها، ونعلم أن لا قيمة لوجود إنسان ما لم يصادف من سيقرأ ما بداخله. فيكون كملجأ له يسمعه ويحس به. لا أن يختبأ كل واحد داخل عبائته، وَيُبْدي عكس ما تُكِنُّه أعماقه. فيعيش بذلك في غربة مع نفسه، وقد طغت عليه كل أشكال الأنانية التي جعلته لا يشاطر الغير أوجاعه. أكيد حينها سيموت فيه حب العطاء، ليتولد بدله حب النفس والاستغناء عن الغير. وهذا ما بتنا نرصده على أرض الواقع، مما أدى إلى شح في المشاعر التي اكتفت بارتداء لحاف العزلة، ونهاية لأجمل محرك للحياة آلا وهو الحب.
لنكن على يقين أننا لن نبلغ السعادة ما دام أكسيرها الذي هو الحب قد تلاشى بين براثن الاحقاد، وسيطرة الأنا التي لوثت بياض القلوب، حتى جعلها لا تلمس حقيقة الوجود، ولا تحس به. فحتما لن تعود لفطرتها الأصلية، وتلمس معنى وماهية الشيء، إلا إذا تصالحت مع الطبيعة وأحبّت كل ما فيها التي هي منبعها الحقيقي، والمطهر من كل الشوائب، حتى تشعرها بأنغام الحب وهي تسري في شرايينها. حينها ستغدو بمثابة أكسير الحياة الذي قد يأخذ بيدها إلى درب من دروب السعادة لفترات من العمر.
كاتبة مغربية