معلومة تهمك.. قصة العمارة

■ الجسور و الكباري المعلقة ■

 اتخذ الإنسان القديم من الكهف في الجبال و الأكواخ المصنوعة من جذوع الأشجار في الغابات ، مساكن تحميه من حرارة الصيف و برد الشتاء و تحميه من الحيوانات المفترسة ، أما المباني و المنشئات فلم تظهر إلا في العصرين البابلي و الفرعوني ، و خير دليل على ذلك : حدائق بابل المعلقة و أهرامات الجيزة منذ أكثر من ٢٥٠٠ عام قبل الميلاد . و قد شكلت الأخشاب و الطوب و الحجارة و الصخور ، مواد البناء الأساس في تلك الفترة. فاستخدم البابليون الطوب النَيِّيء ( اللبِن ) و الطوب المحروق المصنوع من الطمي بعد خلطه بالرمال و القش ، كما استخدم الفراعنة في ذات الوقت الطوب النييء في بناء بيوتهم و أسوار بعض معابدهم في المناطق الجافة غير الممطرة . أما الطوب المحروق فلم يعرفه الفراعنة سوى في نهاية فترة حضارتهم . استخدموا الملاط ( المونة ) المصنوع من الجبس أو الجير في ربط قوالب الطوب ببعضها . 

        استخدم الفراعنة الصخور الرسوبية سواءً الجيرية أو الرملية في بناء أغلب آثارهم – المعابد و الأهرامات – نظراً لسهولة تشكيلها ، و في نقل تلك الصخور استخدموا القوة العضلية . و في تقطيع الأحجار استخدموا الخوابير بإدخالها بين طبقتين من الصخور و في حالات أُخَر استخدموا خوابير خشبية جافة و مع تشبعها بالماء تتمدد فتشق الصخور . و في نقل الصخور استخدموا القوة العضلية للإنسان في نقل الصخور – بعد تقطيعها – إلى أماكن البناء. 

      في عمليات البناء بدأ التطور بطيئاً – منذ ٥٠٠ عام ق.م. – ليمتد إلى بناء المعابد حين بدأت فنون العمارة تغذي بناء القصور في العصر اليوناني ، أعقب ذلك بناء الكنائس و الكاتدرائيات بالإضافة إلى البنايات السكنية التي زاد ارتفاعها بالطوابق في العصر الروماني. 

      و استخدم اليونانيون مونة الجير ، ومن بعدهم توصل الرومان إلى استخدام خلطة من مطحون الحجر الجيري و الرمل و بعض الرماد البركاني و إضافة الماء كمادة لاصقة لعناصر الخليط و أطلقوا على تلك الخلطة مسمى” بوزيولانا” Pozzuolana وهي تمتاز بخاصية الشك و الجفاف و التصلد تحت الماء ، و هي ما أُطلِقَ عليها فيما بعد ” الأسمنت الهيدروليكي ” Hydraulic Cement نظراً لقدرته على الشك تحت الماء ، و يُعد ذلك أحد أسباب تفوق الرومان في البناء تحت الماء أو فوقها . و في العام ١٧٦٠ م بزغت صناعة الأسمنت الحديث حين تم خلط مطحون الحجر الجيري مع الطين ، و قد لوحظ اكتساب الخليط – بعد حرقه و طحنه – خاصية التصلد تحت الماء ، و في العام ١٨٢٤ م أدخل الباحث البريطاني ” جوزيف أسبدن ” Joseph Aspdin تعديلاً على الخليط الروماني لتحسين خواصه و أطلق عليه مسمى الأسمنت البورتلاندي Portland Cement منسوباً إلى صخور منطقة بورتلاند بإنجلترا . أما الخرسانة المسلحة Reinforced Concrete التي جمعت بين الخلطة و أعمدة الصلب فلم تظهر إلا في القرن التاسع عشر و ظهرت معها أصناف أخرى من الأسمنت ؛ كالأسمنت البورتلاندي الحديدي و نظيره المقاوم للماء و نظيره المقاوم للكيماويات و نظيره سريع التصلد. 

      و استخدم قَدامَى المصريين مادة الزجاج و برع البابليون في استخدامها أيضاً و أعقبهما الرومان الذين صنعوا الألواح الزجاجية لنوافذ الكنائس ، و في العصور الوسطى أبدعوا في استخدام الزجاج الملون المعشق لنوافذ البنايات الضخمة كالكنائس و الكاتدرائيات. 

        منذ أواخر النصف الثاني من القرن الثامن عشر بدأ الاهتمام بالهياكل الحديدية .. و يُعَد الأميركي جيمس بوجارديوس  James Bogardus  ( ١٨٠٠ – ١٨٧٤ ) م هو أبو المنشئات الهيكلية المصنوعة من مادة حديد الزهر ، و من أهم أعماله مبنى ” إدوارد لانج ” بمدينة NY نيويورك و قد تم بناءه في العام ١٨٤٨ م ، و من أشهر و أهم الهياكل المعدنية في العالم مبنى “كريستال بالاس” Crystal Palace و الذي صممه البريطاني “جوزيف باكستون”  Joseph Paxton ( ١٨٠٣ – ١٨٦٥ ) م  بموقعه في حديقة هايد بارك في لندن بارتفاع ٥٦٣ متراً في العام ١٨٥١ م باستخدام الحديد الزهر و الزجاج فقط . و في العصور التالية استخدم الحديد الصلب في بناء منشئات الهياكل المعدنية . 

     أما أشهر ناطحات السحاب Sky Scrapers فهو مبنى ” إمباير ستيت ” Empire State Building بموقعه في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية بارتفاع ٣٨١ متراً حيث تم بناءه في العام ١٩٣١ م . أما أهم و أعلى ناطحات السحاب بأميركا فهو مبنى مركز التجارة العالمي بنيويورك و الذي تم بناءه خلال الأعوام ١٩٦٢ و ١٩٧١ م ليصل ارتفاعه إلى عدد ١١٠ طوابق ( أدوار ) بإجمالي ارتفاع ٤١٧ متراً ، و قد طالته يد الإرهاب يوم الحادي عشر من سبتمبر في العام ٢٠٠١ م حتى صار أثراً بعد عين.

    في مجال الكباري و الجسور Bridges استخدم الإنسان القديم سقالات من خشب جزوع الأشجار كما استخدم الصخور المسطحة الطويلة للانتقال عبر الممرات المائية من بر الممر  إلى البر المقابل ، تم تطور فيما بعد إلى الجسر الخشبي أو الصخري . إلا أنه سرعان ما استخدم اليونانيون – و الرومان من بعدهم – الحجارة في بناء الكباري المقوسة على المسطحات أو الممرات المائية متسعة العروض ، و عندما اعترضت الرومان مشكلة غرس الدعامات ( الركائز ) Piers تحت منسوب الماء ؛ التجأوا لعمل حواجز خشبية في مواقع الدعامات على مجرى المياه و من ثَمَّ سحب المياه و بناء الدعامات على القيعان بعد تجفيفها فاستخدموا لولب أرشيميدس في سحب المياه . و في أحيان أخرى التجأوا إلى تغيير مجرى التيار أثناء فترة العمل ثم إعادته إلى مجراه الطبيعي بعد الانتهاء . و استخدموا أصنافاً أخرى من مادة الأسمنت الهيدروليكي سالف الذكر . و قد ازدهر تشييد الكباري المقوّسة في العصور الوسطى ، مثال ذلك الكوبري الحجري على نهر التيمس the River Thames  بلندن ؛ حيث بدأ العمل به في العام ١١٧٦ م ، و في بداية عصر النهضة صمم الإيطالي ليونادو دافنشي Leonardo da Vinci كوبري كونستانيتنوبلي Constantinople بطول ٢٤٠ متراً ، و كذلك الكباري التي أُنشِئَت على نهر السين بمدينة باريس خلال أعوام ١٥٠٠ و ١٦٠٤ م . و فيما بعد حلت الخرسانة المسلحة محل القطع الحجرية نظراً لتكلفتها الأقل. 

       و مع استمرار التطور برزت الكباري ذات البحور الكبيرة Long Span Bridges و نظيرتها المتحركة و نظيرتها الخرسانية المسلحة و نظيرتها سابقة التجهيز Prefabricated  و نظيرتها المعلقة Hungers وقد أنشئت الكباري ذات البحور الطويلة في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر ، مثال ذلك كوبري كولوسيوس Colossus الخشبي بأميركا حيث بلغ طول بحره ١٠٤ أمتار.  فقد كان للتقدم المستمر في صناعة الحديد و الإنتاج الكمي للألواح و القطاعات الصلب متعددة التشكيل و استخداماتها في المواقع الإنشائية ، فضلٌ كبير في تحويل الهياكل الخشبية للكباري – تدريجياً – إلى هياكل حديدية قبل نهاية القرن التاسع عشر ، و يُعَد كوبري سان لويس المُقام على مجرى نهر المسيسيبي باكورة الكباري ذوات الهياكل الحديدية و تم بناءه في العام ١٨٧٤ م ، أعقبه كوبري بروكلين المعلق و استغرق بناءه بين عامي ١٨٦٩ و ١٨٨٣ م و الذي دخل في صناعته صُلب الكابلات و الجمالونات ليصل مدينتي مانهاتن و بروكلين بأميركا أيضاً ، و هو أطول كوبري معلّق في العالم عند بناءه حيث بلغ طوله ٤٨٦ متراً . و باتت مادة الصلب هي الأشهر حالياً في تصميم الكباري المعدنية. 

       أما الكباري الخرسانية المسلحة فقد أُنشِئَت في القرن العشرين ، مثال كوبري جلادسفيل Gladesville بمدينة سيدني بأستراليا في العام ١٩٤٦ م ، بطول ٣٠٥ أمتار و هو مخصَّص لخطوط السكك الحديدية ، أما أطول الكباري الخرسانية المسلحة المعلقة فتوجد ممثلة في كوبري “وادي كوف ” في ليبيا ، حيث يبلغ طوله ٣٠٠ متر . و من حيث الذوق الفني و قوة التحمل أحرز التقدم و التطور في تصميم الكباري تفوقاً وصل إلى أعلى معدلاته في الوقت الحاضر و يُعد الحديد الصلب المادة الأشهر في التصميم. 

        و في القرن العشرين قادت أميركا العالم إلى إنشاء الكباري المعلقة ذات البحور الطويلة ( ٦١٠ حتى ١٤١٠) أمتار ، برز أطولها في كوبري “فيرّازانو” Verrazano-Narrows Bridge في العام ١٩٦٤ م بمدخل مدينة نيويورك بطول بحر ١٢٩٨ متراً ، و هو يحتوي ١٢ مساراً للسيارات ( حارات مرورية Lanes ) و خطين حديديين لمرور القطارات ، بينما أطولها في إنجلترا كان كوبري “همبر ريفر” Humber River بطول بحر ١٤١٠ أمتار في العام ١٩٨١ م ، و يعد كوبري” البوسفور” Bosporus بتوركيا و الذي أُنشِيءَ في العام ١٩٧٣ م ليربط قارتي آسيا و أوروبا بطول بحر ١٠٧٣ متراً . يُعد من أهم و أشهر الكباري ، كذلك يعد كوبري “جولدن جيت” Golden Gate Bridge بسان فرانسيسكو بأميركا أطول كوبري معلقاً ببحر مفرد وقت بناءه في العام ١٩٣٧ م بطول بحر ١٢٨٠ متراً. 

       أما كوبري إمبابة الذي يقع على نيل القاهرة و يربط الوجهين القبلي و البحري بخط سكة حديدية من أشهر الكباري المعدنية بمصر و الذي أُنشِيءَ في مطلع القرن العشرين ، إذ يحتوي مليون مسمار رابط Rivets لأعضاءه و مخصص له طابق علوي للمُشاة ، مع إمكانية فتحه لعبور المركبات المائية أسفله بفتح صينيته الدوارة ، و في ذات السياق كوبري السلام ( مبارك سابقاً ) بعرض قنال السويس و الذي افتتحه حاكم مصر الأسبق في أكتوبر ٢٠٠١ م بعرض ٩.٥ أمتار بطول بحر ٤٠٤ أمتار ، بارتفاع أقصى ٧٠ متراً فوق منسوب سطح المياه ، و ٩٠ طناً أقصى حمولة ، و قد صُمِّمَ وَفقاً للكود المصري للزلازل ليتحمل حتى  ٨ درجات بمقياس ريختر ، و قد بُنِيَ على شكل كمرة رئيسة محمولة على أربعة أبراج رئيسة على شكل مسلات فرعونية ، و تتصل الكمرة بالأبراج عن طريق كابلات من الصلب ، و استُخدِم في تشييد الكوبري ما يوازي ٦٠ ألف طن من حديد التسليح. فكرة التصميم مستوحاة من مراكب الشمس التي اكتشفها مفتش الآثار المصري / كمال الملاخ بالقرب من أهرامات الجيزة في العام ١٩٥٤ م □