إبداعات أدبيةصلاح سلام

د.صلاح سلام يكتب...ومازال للقصة بقية (قصة)

بعد ان تخرج صديقي وعاد الى مسقط رأسه الاسكندرية بجمالها الشتوي وصخبها الصيفي فلم يكن الساحل الشمالي على خريطة المصايف وبالكاد العجمي فقط فيلا فاتن حمامة وفيلا عبد الحليم حافظ واسكندرية محصورة مابين المعمورة والعجمي فكانت بحق كما قال عمنا ابراهيم عبد المحيد لااحد ينام في الاسكندرية..عاد صديقي وبدأ يبحث عن بنت الحلال وكانت اهم شروطه ان تكون فرفوشة ولامانع ان تكون متوسطة الجمال وكان يكاد يبدأ خطواته نحو سوق العمل في احد الشركات كمحاسب وقد تعرف على احد الفتيات من خلال ركوبه الترام يوميا وبدأت خيوط الود فاللقاء ثم الحديث عن الزواج وظروف كل منهما وقد بهرته ابتسامتها العريضة وصوت ضحكتها على اي نكتة يلقيها مهما كانت سخافتها فهو لم يكن خفيف الظل اصلا ليكون موسوعة للنكات ولكنه كان يحب ان يعيش ضاحكا بل كان يتمنى ان يموت من الضحك كما هو المثل السائر وتقاربت المسافات وتم له ما اراد بزيارة عائلية الى بيت الحبيبة وكان في احد الاحياء الشعبية..فلامانع فهو ليس من اسرة ارستقراطية فهم من ارياف الغرببة…وتمت الزيارة والتقى بالاسرة وتأخر والدها عنه قليلا وان كان قد سمع صوته يعلو قليلا وامها ترد عليه فاعتقد ان هناك خلافا عليه شخصيا ولكن اتضح غير ذلك فيما بعد…وتكررت الزيارات والضحكات ولم تخفت الاصوات العالية من البيت وظن ان هذه سمات الاحياء الشعبية حيث الضجيج والاسواق فلابد ان تعلو الاصوات…وتزوج صاحبنا وبدأت حياته العملية الحقيقية وقلت الضحكات واختفت الابتسامات وعلت الاصوات..فاصبحت الحياة اقرب الى مباراة بين الطرشان الاصوات عالية ولا احد يسمع الاخر.. فاذا سأل عن القميص الابيض ..اهو متلقح عندك في الدولاب في الرفة العلوية ..طب المكوى ان قلتلك عندي مناسبة ..هوة انا شغالة عندك ولى الجارية اللي جابهالك ابوك…شوف ياحبيبي كل واحد يشيل شيلته…وطبعا هذا الحديث يسمعه الجيران وجيران الجيران وهكذا موشح الغداء والعشاء واذا كان المطلوب للبيت ناقصا فعليه ان يمكث في الشارع عند عودته من العمل ليضع المطلوب في “السبت” بعد ان ينادي على المحروسة وهي تملي عليه التعليمات من البلكونة والا لن يدخل البيت او تقابله عاصفة من الاصوات بكل انواع وطبقات الردح المتصل…وذات يوم جلس الى نفسه على قهوة عنتر القريبة واعاد شريط الذكريات منذ اول زيارة لبيت زوجته وذلك الصخب الذي صاحبها وقد عرف فيما بعد ان حماه كان فقط يسأل على فردة الشراب التائهة فما كان من حماته الا ان كالت له السباب والهباب لانه رجل مزعج وغير منظم ومهمل وكل انواع اللوم والتقريع ..ولكن حبيبة القلب قالت له ان امها مصرة ان يكون الفرح في احد القاعات الكبرى وهو مختلف معها بأن ظروف شباب اليومين دول لاتسمح بذلك وخليه يعمل اللي يريحه وهذا هو سبب الخلاف والصوت العالي…وكل مرة كان هناك حدوتة مختلفة…ولم يستفيق صاحبي الا بعد ان اصبحت حياته مزيج من الدراما المفتوحة التي يسمعها واحيانا يراها كل سكان العمارة وربما بعض سكان الحي فالصوت العالي والشتائم جزء لايتجزأ من دولاب الحياة اليومي…وتكرر جلوس صديقي وحيدا على قهوة عنتر وقبل ان يدخل في دائرة الاكتئاب قرر ان ينفصل وخاصة انه قد مر اكثر من ثلاث سنوات ولم ينجبا ولكن لم يكن هذا هو السبب الحقيقي حيث انها حملت واجهضت مرة وليس لديهما مانع من حدوث الحمل ولكن يبدوا ان هرمون النكد كان عالي شويتين فمنع الحمل….وانفصل صديقي وقرر ان يترك الاسكندرية كلها ويعود الى الغربيةواستقر به الحال في طنطا حيث فرع الشركة…وبعد ان تجاوز اثار جراحاته رشحت له الاسرة احدى قريباته فتزوجها وحاول ان يعيش معها في هدوء..وكانت هي بالفعل تميل للهدوء الى حد الصمت….سبحان الله النقيض… واستمرت الحياة واخذت تطويه الايام وهي تميل دائما الى الشكوى واحيانا يعود فيجدها تبكي ويحاول جاهدا ان يهدئ روعها فيصطحبها الى اطباء الباطنة تارة والقلب تارة اخرى وهكذا كعب داير على الاطباء فهي لاتكسر الهدوء الا بالشكوى وتتحين الوقت لذلك اما ان تكون مناسبة سعيدة او وقت الطعام او عند زيارة احد من الاصدقاء والغريب انها حسب روايته كانت تحب ان تخبر كل العائلة بشكوتها والاغرب انها احيانا كثيرة لاتتعاطى الدواء فنصحه احد الاصدقاء بعرضها على طبيب نفسي فرفضت رفضا شديدا ثم استجابت بعد تدخلات وسنوات من الاقناع ولكنها لم تأخذ الدواء…واستمر صديقي يعيش في دوامة جديدة فحظه العاثر صدفه في الغجرية اولا وهرب منها الى الشكاية البكاية من اي شئ ومن كل شئ و لاتسمح للابتسام او الضحك ان يتسرب الى المنزل… وتجيد وضع يدها على جبينها لتخفيه وتطأطئ رأسها عابسة مع البكاء لأي سبب حتى لو كان وفاة زوج بنت خالة صاحبتها التي لم تراها منذ سنوات..نعم فهي لا تعرف الحياة الاجتماعية وعندما انصرف عنها قليلا حيث اعيته الحيل…اضافت الى مهاراتها الشك في كل تصرفاته لدرجة انه اصبح يحسب حساب كل خطواته الى حد الاختناق بل الشك في كل من يتعامل معهم …وظل هكذا صديقي لسنوات فقد انجب طفلين وكان يحاول ان يدفع الايام دفعا حتى يصلا الى بر الامان متحملا ومتحاملا على نفسه فقد اصابته امراض لم تكن لتأتي لمثله ولا سنه وهو يكابد ويحاول ان يقاوم …مستخدما ومستنفذا كل اساليب الرقة والتقارب والمودة… والغريب انه كان يراها كالغزالة لقضاء حاجة اولادها او عندما تتهيأ للخروج للتسوق …ومهما كانت المحاولات لاشئ يتغير…ويوم ما قال لي انا افكر في السفر فالزواج اصبح كعشاء في ليل طويل يبدأ بالحلو… فسألته الى اين ياصديقي؟..بلاد الله لخلق الله ولكن ليس لبلاد العرب…وظل يحاول في كل السفارات الاجنبية وكان الرفض حليفه واسر لي انه اذا كتب الله له السفر بعيدا فسوف القي هاتفي بمافيه فياقرب بالوعة….(ومازال للقصة بقية)


تنويه: موعدنا مساء كل خميس مع حلقة جديدة من رواية (ومازال للحديث بقية) للكاتب الكبير د.صلاح سلام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى